لو سألت المسافرين الدائمين عن أسوأ مكان لا يطيقونه خلال أسفارهم، لأجمعوا على رأي واحد، إنها قاعات الانتظار في المطارات، وخاصة في المطارات القديمة أو مطارات الدول المنكوبة، وحتى بالرغم من كل البذخ والرفاهية ووسائل التسلية والتدليك والاستحمام وصالونات الحلاقة، وغيرها من أنواع الأطعمة والأشربة في المطارات الحديثة والراقية، إلا أنها أشبه بموقد جمر يغلي تحت المسافرين العجلين، ومحفز بشع عن بُعد للمسافرين الهادئين، ومصدر ضجر للمسافرين الوجلين التائهين عن أبسط الأشياء، لكن لو أجبرتك الظروف أن تقعد في قاعة انتظار المسافرين في أحد مطارات العواصم التي تشهد حركة مسافرين كبيرة، بعد أن اعتذرت الشركة الناقلة عن تأخر رحلة طائرتها لساعات غير معروفة، نظراً لظروف خارجة عن إرادتها أو بسبب عطل فني طارئ أو بسبب سوء الأحوال الجوية، أو لأي سبب من الأسباب التي نمر بها حالياً بعد بدء انتشار جائحة كورونا، ساعتها تشعر بثقل على الكتف أو كأنما دُلِق عليك سطل ماء بارد، فلا تجد غير البروك على ركبتيك، منتظراً الفرج.
إن لم تكن صاحب أشغال وأعمال ومواعيد والتزامات، فيمكن أن تقضي الساعات في قراءة كتاب، والعمل من خلال حاسوبك أو هاتفك، وإن كنت من المتمهلين دون قلق زائد، وتدخين سيجارة، وشرب قهوة مُرّة مثلي، فيمكن أن تقضيها في التأمل، ومراقبة الحشود الذاهبة، والأفواج الآيبة، وتلك متعة تنشدها، لأنها مشاهد سينمائية تلقائية:
- شخص وجهه لامع من الحلاقة المزدوجة على طرفين، ومن الكولونيا الرخيص، ومن الاستعداد الزائد عن الحاجة قبل السفر، تشعر أنه مخلص كثيراً لأشيائه القديمة، البدلة، الموديل، وربطة العنق المشجرة والتي فقدت بريقها، الحقيبة الجلدية، وجريدة صدرت قبل يومين، وأوراق كثيرة وقصاصات لا تعني شيئاً، وليس بحاجة لها في سفره، يشعرك أنه ذاهب لعقد عمل في الخليج، ولن يعود إلا بعد سنتين.
- شخص مشمئز، يبدو أنه يشكو من حموضة منذ الفجر الباكر، المطار يزيد من غثيانه، والقهوة التي طلبها مرتين، والخوف من مجهول الجهة التي يقصدها، وقد تأخرت طائرتها، وبكاء الزوجة الذي جاء في غير وقته، والصراف الذي غمطه بـ7 دولارات، يشعرك أنه يريد أن يتعارك مع واحد أضعف منه، ليفتك به.
- امرأة أفريقية، وحين تقول امرأة أفريقية، فيعني أنها سمينة، وتحمل حقائب زائدة في يديها وعلى ظهرها، ورابطة رأسها بعمامة مزركشة وثقيلة من دون وجع، وجوازها في يدها وتذكرتها في يدها، وأكياس لا تسعها يدها، تشعرك بتلك الألوان النارية أنها خارجة من موقد حطب، ويزيد من وهجها الذهب ومشغولاتها الكبيرة التي تتحلى بها، تبدو أنها ذاهبة على وجهها وفي سبحانيتها، ومتجهة إلى بوابة مغادرة بطريق الخطأ، كل هذا وهي لا تشكو من مشكلة مطلقاً.. وغداً نكمل.