هل يمكن أن يكون الإنسان عبئاً على نفسه، يعني يتعب حاله بحاله، يعني يسبب ربكة لنفسه، يحرج نفسه، ويكذب على نفسه، ويهرب من نفسه، ويتسبب في أذى نفسه، يحرم نفسه من التعليم، ومن الشعور بجمال الحياة، ومن التمتع بطيباتها، بالمختصر يصبح مثل هذا الإنسان ليس له صديق حتى نفسه، ومرات يستعين عليها بالأعداء والشياطين من أجل إذلال نفسه، وإلحاق الأذى بنفسه، بالمختصر هذا الإنسان ليس له أعداء، بل هو عدوّ نفسه· إذا امرأة قالت: ليس لي حظّ في الرجال، فلا الأب ولا الأخ ولا الزوج، فقل ساعتها إنها ظالمة لنفسها مبين، فالأب حامل همها من الحياة إلى الممات، والأخ لا يعدل حبه لامرأة قدر حب الأخت إلا الأمّ، والزوج يحمل من حبّ الأب الدائم وودّ الأخ الدائم وعشقه الدائم، فلما تبكي تلك المرأة التي تدعي بؤس حظها، وسبب عثرتها؟ إن كانت هي وحدها سبب حظها، وفقدان حبها، وعشقها، وظلها الجميل: الأب والأخ والزوج· مرات أرى وجه الرجال طويلا أو مطولا أو يطول، وحين يسمعون كلام نسوان الليل يتطاول أكثر، وحين يسمعون كلام نسوان التجارة والعقارات والأسهم الوهميات تصبح دوائر سوداء على الخدين، وتحت العينين، ويتصاعد نبض القلب، وترتفع الحرارة، وتطبّل مصارين البطن، والنسوة اليوم لا يقطعن أياديهن بل يتكالبن على ذلك الرجل المنتفخ الفارغ، يسقينه هواء صرفاً حتى يروى، وإن رأين منه تراجعاً وضعفاً أو تردداً، يشغلّن له علب الأحلام الملونة، وسرعة الوصول، وجني المال الوفير، حتى يسقط أخونا في بركة من الديون، أما إن وجدن واحداً له قرنا ثور، يناطح ويهاجم، فيلجمنه بكلمة ضعيفة أو توسل بضحكة أو دمعة ''بلكي بيصحى'' الضمير، هؤلاء الناشطات في السوق قادرات أن يوصلن الرجل المضعضع بعد الانتهاء منه، حد أن يحّن لزوجته القديمة قبل النفط، تلك التي هجرها حين اغتنى وانتشى، ويضجر من الحضارة والمدنية، وينسحب نحو المسكنة، حينها يطلبن منه أن يصلّي على النبي كاذبات، فتخّر من عينه دمعة في ساعة صفاء، ولحظات ذهاب السكرة وهجوم الفكرة، فيرتبك ويربك ليله، ويتمنى ساعتها لو كان مطوعاً في الحيّ يدرس القرآن لطلاب كبار غير نجباء أو لو توفق في مهنة الحجامة أو ختن أبناء الجيران ولو مجاناً· مرة جاءت امرأة تبكيني وتشكيني، وهي تبكي حبها، وتشكي وجدها، فقلت لها: إحمليني ولا تحمّليني، قالت: سنيني أم حنيني، قلت: دنياك··ما بها؟ قالت: قطعت حبل جنيني!