وحيداً·· أقف أعد خطوات الليل والليل رفيق·· والليل صديق تنفصل عني المقاهي الصغيرة في الحي الباريسي جفون الكسل الصباحي التي ترافقني للمقعد الدراسي ثرثرات صديق في المطعم التركي المنزوّي عن وجه سراييفو عن وجه الصرب عن الإنسان كيف يمكن أن يصبح عقوراً موبوءاً بالحرب· أنفض أعباء النهار، لا أبقي إلا·· الوجوه الرطبة في ساحة السوربون العتيقة أميلدا·· بائعة الورد في محطة شارل ميشيل عايدة·· أمينة الصندوق في المحل الكبير تخجلها شرقيتها، وهي تحسب مشترواتي بالسنتيم العجائز·· اللائي يستدفئن المقاعد الخشبية يفرحن بخطوات المّارة، وضجيج الصغار حديث المحاربين الجزائريين في استراحتهم الأخيرة صندوق البريد المعدني، نافذتي على الأصدقاء في جهاتهم الأربع الصحف اليومية التي تقرأ بلغة مدرسية التسكع أمام واجهات المحلات، مكتبات الأرصفة، لوحات الرسامين المفلسين أنتقي ربطة عنق حريرية، كتاباً قديماً باعه قارئه، أو لوحة تسريّ هَمّ ليل المفلس الرسام· أقف·· والليل جناح غراب أسعد بشرفة ساهرة، أو مقهى مضاء بضحكات عشاق تعطي وحشة الليل إشراقة صبح أو بقهقهات سكارى ترعّد نوم الموظفين الملتزمين أو بزخات مطر يفاجئ النوافذ أو بطيف شقيّ باعدته المسافات يأتي على استحياء يقرع ليل الذاكرة· وحيداً·· أقف أعد خطوات الليل والليل رفيق·· والليل صديق يسبقني ذلك الشبح الآدميّ، يختلط بالأزقة المبتلة، ووهج مصابيح الشارع الراقدة يثبّت الأماكن، الوجوه، الحالات·· لكي لا تفرّ من معطفه القصصي، ولكي لا يقول للمدينة التي أحب لقد كنتُ هنا·· من غير قلم ولا ورق، ولا طباشير فحم ولا أظافر تستطيع خدش الجدران لقد كنتُ هنا·· وكنتِ هناك·· من غير أن تحسبي أياميا ولا تذكري أحلاميا ولا ما أستودعت هنا·· أو هناك·