ليس أجمل من فعل الخير، تجد طعمه طيباً في الحلق، وثمة ثوب خليط من السعادة والفرح يطرح عليك هكذا فجأة، يغمرك بالحبور والنور، ويمكن أن يطير بك بجناحيْ ملَك من الملائكة، هكذا هو شعور فعل الخير إن قمت به أو سمعت أن شخصاً قام به· بين الحين والآخر ترِدني رسائل وأحاديث من هنا وهناك تؤكد أن شخصاً كان هنا أو كان هناك، جاء ليفك دَيْن محتاج أو يفك قيد سجين أو ينقذ عائلة من الضياع أو يرجع صبياً إلى أمه أو يجمع قلبين بالحلال أو يسهل مهمة إنسان، يرشده إلى علم أو يرزقه بعمل، أصابع يد الخير كثيرة، وهناك أشخاص يغسلون يومهم بفعل الخير، ويجعلون ختام ليلهم بالدعاء أن ينعم الله عليهم بعمل الخير، هؤلاء الأشخاص الحقيقيون يرتدون ثوب القناعة والعفة، ويذهبون يسابقون أعمالهم، لكي لا تشير عليهم أو ترشد الناس إليهم·· بمثل هؤلاء تكبر المجتمعات، وتتأصل القيم، ويكون الإيمان حاضراً دائماً· بالمقابل لا نعرف طعماً واحداً ومميزاً لفعل الشرّ، يشعر به الناس كلهم أو يتلمسوه جميعهم، هو فعل أحادي، قد يفرح فاعله أو يسرُّ فاعله، لكنه لا يتعدّى إلى الآخرين، إلا من خلال ردة فعلهم، استنكاراً واستهجاناً واشمئزازاً· بين فعل الخير وفعل الشرّ، كان صراع الإنسان منذ الأزل، وعليه قامت فلسفات ونظريات وحتى حروب، لكنها كانت تهدف إلى تعقيل الإنسان، وزيادة وعيه، وتثبيت اختياره وقناعاته، بحيث يدرك ما يُفرح السماء، وما يُغضبها، وما يسعد الشيطان أو يقيده· فعل الشرّ ضرره أعمُّ، وفعل الخير نفعه أقلّ، وقد يتبادلان الأدوار بحكم دورة الزمن وتغير الأحوال، لكن للخير عنوان، وللشّر ألف عنوان· الخوف من الله قديم وسيظلّ، الخوف من النار قديم وسيظلّ، الخوف من الرعد والبرق قديم وسيظلّ، الخوف من الظلام والمجهول قديم وسيظلّ، الخوف من الموت قديم وسيظلّ، الخوف من مظاهر وغضب الطبيعة قديم وسيظلّ، ما أكثر خوف الإنسان قديماً وسيظلّ· للفرح على وجوه الناس أكثر من تعبير، بينما للحزن على كل وجوه العالم تعبير وحيد·· ما أقرب الفرح، وأبعد الحزن، لولا هذه الجملة لما شعر الإنسان بالحياة·