الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

خيوط الألفة

16 يناير 2007 01:12
يتغير عالمنا وفضاؤنا الذي نعيش فيه، تتسارع نبضات تغيره، نحاول أن نلحق مفتونين بالجديد البراق، لكننا حينما نعود لدواخلنا في بعض لحظات الصفاء النادرة غالبا ما نحس بالخواء، خواء الانقطاع عما حولك أوهشاشة العلاقة به، فالعلاقة مبتورة في الغالب لأنك لا تجد الفرصة الكافية لنسج تفاصيل علاقات مميزة به· هل نستطيع أن نقول: إننا نحب هذا المكان أوتلك البقعة من المدينة دون أن نكتشف بغتة أنها ذابت في تفاصيل جديدة مخلفة وحشة ما في الداخل وتخبطا في حركتك في الخارج؟ هل نستطيع أن نتغزل في مكاننا كما فعل رسول حمزاتوف في كتابه ''بلدي''؟ في فترة فتنني ذلك الكاتب (رسول حمزاتوف) بحبه لبلده، بذلك الوصف الذي يتخلل الأشياء ولا يراها من الخارج فقط، وتساءلت هل يمكن للإنسان أن يحب مكانا إلى هذا الحد؟ وهل حقا أن داغستان جميلة إلى هذا الحد؟ وفوجئت مرة بحديث عن شاعر ذهب يقتفي آثار الجمال في داغستان حمزاتوف فلم يجدها، كنت ابتسم في داخلي وأقول: لا بد أنه الحب الخاص الذي لا يرى بالعين المجردة، لكنه يحس ويرى في التفاصيل الدقيقة التي تصنع علاقة الإنسان بالعالم·· بشرا وأشياء، حياة واضحة أم حياة خفية لا ترى بالنظر العاجز عن الغوص فيما وراء الأشياء·· لا بد من تاريخ للعلاقة لندرك ما نحب ولِمَ نحبه· هل المسألة إذاً في المكان أم في الرائي؟ أم فيهما معا؟، وهل نحتاج في هذا الزمان إلى مكان خاص بنا، هل الألفة به ومعه هبة معطاة أم هي جهد نبذله لنشكل علاقة ونبني حقيقة؟ وحين اتسع العالم بالتكنولوجيا، أوصغر بها وصرنا نسمع ''العالم غدا قرية صغيرة''، هذه العبارة بقدر ما تفرح وتفسح المجال للخيال والمغامرة بالتأجج بقدر ما تخيف في بعض الأحيان، لأنها تنبئ بضياع الخصوصية، الأشياء نفسها في معظم الأماكن، سلسلة المتاجر، نفس البناء والترتيب الداخلي، الملابس، وحتى الأطعمة، كلها صارت قالبا واحدا· ولماذا نحتاج إلى الخصوصية، هل هي حاجة نفسية أم أنها ترف؟ المكان علاقة، المكان تفاصيل حميمة ومعرفة ودود، هل يسمح زماننا اللاهث بهذا؟ هل نبحث عن بديل داخلي لألفة الخارج؟ هكذا تباغتني الأسئلة وأنا أمشي في مدينتي حيرى وألهث خلف ملامح الألفة فيها، لكنها لا تزال تتغير، تبدل حالها في كل لحظة لترتدي حالا آخر، جميلة فارهة ولكنها تتعبني في اقتفاء أثرها، أعني الألفة بها ومعها، وأتساءل هل من ضرورة لذلك؟ أم أنها رومانسية موروثة؟ حينما أرى صور بداية الستينات لدبي أشعر بشعور أمٍّ رأت صورةً قديمة لطفلها الوحيد رث الثياب أغبر فينفلت الحنان ليغسل برفق آثار الوحشة، لكنه يبذل الكثير من الجهد الآن ليخلق التواصل والألفة مع ذات المكان· هل تشبه علاقتنا بالمكان علاقتنا بالبشر؟ هل نحتاج إلى بذل جهد لنشكل علاقتنا به أو نصوغها، هل نقلم علاقتنا به كما نفعل بعلاقتنا بالبشر، نقلم اليابس والشاذ لنخلق نوعا من التوازن أو التوافق· هذه المدينة التي تتغير كثيرا وأحبها حبا سريا، يبدو أن العلاقة بها تحتاج إلى ذلك بل ربما أكثر من ذلك· كنت أجوب شوارعها بهدى من القلب، حتى وجدتني أطوف وأعيد الطواف حول الخور، نهايته بالتحديد، حيث المياه تبدو كما هي منذ زمن بعيد، وحيث تسترخي الطيور بهدوء لا علاقة له بالمدينة الصاخبة، هكذا وجدت شريانا من القلب يهتف بشريان الماء محييا، من هنا تبدأ الألفة مرة أخرى ومن هنا سننسج خيوط الألفة بالمكان الذي نحب· د· مريم خلفان merhamad@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©