من الأمور التي يتعرض لها كتّاب الأعمدة، خاصة أولئك الذين يذيلون آخر أعمدتهم بعنوان اليكتروني، ويعيشون في المناطق الحارة والرطبة صيفاً، الباردة غير الممطرة شتاء، التي يمكن أن تفتح كل سنة مولاً جديداً، ولا تبني جسراً يمكن أن يريح المدينة من الاختناق والضيق، هؤلاء البشر من قومنا يلاقون معضلات شتى، ومشكلات جمى، وسوء فهم واضح من بعض الجمهور الكريم، حتى يبدو الواحد منهم كناصح البدو الذي يتمنون له النار ووقودها المستعر، لذا أدعو الأخوة أصحاب الرأي الملتزم والأقلام الحرة إلى مؤتمر عربي وأفريقي وأميركي لاتيني، دون إشراك الكتّاب الأوروبيين والأميركيين، لأنهم خارج حطب النار، وخارج مربع الإرباك، وخارج تصنيف التهم والاشتباهات مسبقة الصنع والتي لا تعرف من أين تأتي كاتب العالم الثالث وهو متسمراً على طاولته طوال النهار وثلثي الليل، وخارج الانتماءات البلاستيكية متقنة الصنع والتي يمكن أن يحشروا جثة الكاتب غير كامل الدسم فيها، وخارج السلوكيات غير المهنية التي يجهلها المتكلمون ولا يعرفها المشتكون، ويدفع ضريبتها الملتزمون، ولا يربح في سوقها إلا نوعان من الكتّاب اليوميين: نوع ''مزدوج'' يمكن أن يرمي في كل الاتجاهات ولا يصيب أحداً، لكنه في النهاية يفوز بقصب السبق، ولا يخاف أن يؤكل عشاءه، وإن كانت هناك غنيمة أو وليمة، فله الصدر دون العالمينا وله اللحم والعظم، تجده ملاكماً إن تطلب الأمر ذلك، ومدافعاً متأخراً إن احتاج له فريق متهالك، وخط وسط وهذا موقعه الذي يتمنى أن لا يعتزل اللعب من أجله، فهو يوزع ويرسل ويستقبل في منطقة يحميه الهجوم من ضربات في الصدر، ويحمي ظهره مدافعون لا يعرفون مهنة غيرها· النوع الثاني من الكتّاب اليوميين ''أتوماتيكي'' محزمه دائماً مشحوناً، يمكن أن يكون من أصحاب الفزعة إن تطلب الأمر ذلك، يمكن أن يدخل عرساً ويأخذه الحماس فيدخل في اليولة ''أيّول'' يمكن أن يكون مطوفاً في حملة الحج إن تعثر المقاول في ذلك، يمكن أن يكون ديمقراطياً أيام الانتخابات، وضد الخياطين الباكستانيين أيام الأعياد، يذهب إلى مصر فيشكو مثل المواطن المصري من زحمة الأتوبيسات، وهو لم يظهر من الفندق نهاراً، يهلّ عليه شهر رمضان، فتجد التقوى حلّت عليه فجأة، وتكاد ترى دمعة عينه وهي تهطل على خده، إن حطّ على الشرطة فاعرف أن تجديد رخصة سيارته قريباً، وإن تولى التربية والتعليم والحقيبة المدرسية، فاعرف أن العودة إلى المدارس أصبحت وشيكة· المؤتمر الذي أدعو إليه كتّاب الأعمدة الطليعية، لا كتّاب التقارير السطحية، هو بمثابة تدارس أحوالهم، ومعرفة ما آل إليه مآلهم، في زمن كثر الأرطا، وقل المرعى، هو شبيه بمؤتمر عدم الانحياز الذي يجتمع ويقرر النتائج وينفضّ دون أن نعرف من هو المستفيد الوحيد من انعقاده، والذي كان يكلف كوبا نصف ميزانيتها، ويرهق الاتحاد السوفيتي بقيمة ثلث محصول القمح ذلك العام، ويجعل أميركا تصرف من الدعاية والدعاية المضادة، وكأن المؤتمرين من بقايا الهنود الحمر الذين يمكن أن يشكلوا تهديداً للمجتمع الأميركي الرأسمالي المتحضر·