لو يعود رجل إلى الحياة مات قبل عشرين سنة·· يعود رجل مات قبل اليوم بعقدين من الزمن، كيف سيواجه الصدمة الحضارية، وكيف سيفتح عينيه على الجبال الشاهقة المتربصة بالشوارع، الفسيحة الممتدة من شعم حتى السلع· كيف سيرى هذه الأطياف، والألوان من البشر، والتي تكتظ بها الأبنية والشوارع، والمحال التجارية، ذات السعة الفسيحة، كيف سيرى الناس، وكل فرد يحمل آلة حاسبة، يحصد ويرصد، ويعد الأسهم الخضراء، والحمراء، وما بينهما الصفراء، كيف سيرى الصغار وهم منكفؤون على الهواتف النقالة، والتي لا يزيد حجمها على حجم ثلاث أصبع، يقرأون ويرسلون الرسائل لصديق وقريب، كيف سيرى العاملين في المكاتب، وهم في معركة البقاء والبحث عن الوجود، وعيونهم محملقة في الشاشات الصغيرة كيف سيرى الأصدقاء وقد تفرقت بهم السبل ولم يعد يذكر الشقيق شقيقه إلا في المناسبات، وإن اجتهد فعبر الهاتف وقد لا يعينه هذا الجهاز ويكون خارج الخدمة أو مغلقاً لأسباب لا يعلمها إلا الله· كيف سيرى العالم وقد اختفت دول وبزغ فجر دول أخرى· كيف سيرى العالم وقد أصبح الصومال قبائل وفصائل، والعراق عشائر، ومخاسر، وأفغانستان ما بين الدولة واللا دولة· كيف سيرى العالم، وبعد كل هذا التطور المذهل، هناك من يستجدي اللقمة من بين ركام القمامة، ومن يسأل المتحضرين، قائلاً أين حقي من التعليم· ومن يناشد الحيوانات بأن تسن قانوناً شبيهاً بقانونها، يحمي البشرية من الضياع والتشرد والترمل، والمرض، والفقر· كيف سيرى العالم ودول لا تستطيع أن توفر قوت اليوم لمواطنيها، وتسعى أن تمتلك الأسلحة النووية، والصواريخ العابرة·· كيف سيرى العالم والحرية أصبحت ملونة، والديمقراطية كقصة شعر شباب هذا اليوم والحب بالطلب عبر الهاتف، والزواج مملكة تبحث عن أرض خضراء تخبئ فيها الصغار· كيف سيرى العالم، والمرآة التي كان يرى فيها نفسه، قد تكسرت، وصارت كعصف مأكول، أو كطبق فول بائت ووقته فائت· كيف سيرى العالم والعالم يخوض حرباً شعواء ضد كائنات تلبدت كالغيوم الصيفية، وانكفأت واختبأت، وتربصت، لتحيق بالناس الويلات والنائبات· كيف سيرى العالم والعالم يحن إلى فطرة الجمع والالتقاط لأن الماء في أفريقيا لوثته الحروب الأهلية والقبلية والعرقية· كيف سيرى العالم والعالم بعد خمسين سنة من الحرب واللاحرب، والقضية الفلسطينية لا تزال محلك سر· لا شك أنه سيصدم من تغير الأشياء وثبات الشيء المعضلة·· قضية فلسطين·