كنت في واشنطن هذا الأسبوع ، مسافرة مع مديرتي وهي المرة الأولى التي نتفاعل فيها خارج نطاق العمل· وكم أُعجبت بذكائها و مناقشاتها عندما دارت محاور الاجتماع حول تفعيل دورالمرأة في الحقول الأكاديمية لبناء جسور ترسخ مبادئ التبادل الحضاري و تتحدى العولمة· وذات نهار أخبرتني بأن صديقة لها تعيش في أميركا (تذكرتها حال سماع اسمها) سترافقنا الى المطار وفي حضرة هذه الحميمة احتضننا التاريخ وعادت للذاكرة صور قديمة ومواقف و لم ندرك أنفسنا، ثلاث نساء من الإمارات، عندما داهمتنا موجة أضحكتنا كالأطفال· وفارقنا الحميمة ونحن متحسرات ومتطلعات لرؤيتها ثانية فشغل الحديث عنها حيزاً من حاضرنا و كذلك سيفعل بمستقبلنا· لقد أثارت حبي وإعجابي و تقديري واحترامي و بعثر لقاؤها أوراق في دفاترنا القديمة، حيث كتبنا بكل بهجة قصصنا الصغيرة ورسمنا سوق السمك ورحلات عطلة الربيع· انها حقا باسلة ولها من مودتي الجزيل· وعلى نقيض ذلك وفي ذات المساء تلقيت اتصالاً من الامارات و تصارعت في صدري الانفاس عندما عرض عليّ المُتَصِل مشروعاً للحب وشعرت بإصرار يحاصرني وساد أثناء الحوار جو سوفسطائي ذو أبعادٍ متوازية الزوايا وتساؤلات: نحن نعرف لماذا نحب ولكن مالذي يحبب الآخرين فينا وكيف لايرضي غرورنا ذلك التعبير عندما لا نكون المبتدأ أو الفاعل بل نكون الخبر و المفعول به· لقد كان المُتَصِل شخصاً ''فوق العادة'' تحلى بشجاعة وشراسة و جرأة و طموح ومهارات فريدة ودهاء و حيلة وحبكة وفصاحة وتنوع في الطرح ومبادرات لامتناهية وأساليب نفسية واستراتيجيات حربية مدروسة عن الاستحواذ والجذب والتنصل والكر و الفر· لم أستسغ المشروع مطلقاً وكلما كررت رفضي ازداد تَعَلُق المُتَصِل وإلحاحه فتساءلت بيني وبين عقلي أيمتهن الحب البشر حتى عند تطبيقهم مطارحات نيكولو مكيافيلي ؟ وغالطني شاعرنا سعيد عقل عندما قال ذات مرة إن ''الحب يُعَرّفْ الإنسان على آدميته'' وشغلتني هذة الفكرة في تحبيذها تصورالحب على انه شعور جوهري لا افتراضي· وصرت اُحلل فكرة الحب التي أرفضها ودور الدماغ في إنتاج الافكارالتي على أُساسها يتقررالعرض و مصيرالطلب· وساقني التفكير الى تحليل الاختلاف الجذري بين الدماغ و القلب من حيث سيطرة الأخير على جميع المشاعر التي نعرفها وحتى تلك التي لانبدع في تصورها· بعبارة اخرى العقل غير القلب، فبينما يتميز العقل بالحضور أو الغياب متى استدعته حاجة الجسد و استضافة القلب لأفكاره ولايكون العكس صحيحاً· وتذكرت أني في علاقة حب منذ 47 سنة وأنه أنا الشخص الذي أحب فلاداعي لمن سيجلب غرامهم نشوة مقرونة بهموم متوقعٌ حدوثها وأشياء اخرى يخبئها الدهر· ليس لدي وقت للود و التودد والرحمة والثورة والعطف و الاتصالات المستمرة والتنازل والتسامح و الدلع والغزل والإطراء والتملق والصفاء والقلق ولا أتمنى الدخول في حروب مع مرتزقة الحب من المشاعر و ردود الافعال تلك التي تضمن وتصون للقلب عزة ذاته و كرامته كالغيرة والتملك والتمرد و الجفاء والكذب والبكاء والخسارة والاحباط و السرية والخيانة والانتقام والشك الذي أحقد عليه لمناقضته اليقين· فلا حاجة لي بالفراق و العناق أو الشوق ففي ذلك نِزاع يهدد استقرار النفس والروح والجسد· أيها السادة ها أنا اقف مع ماقاله جوزايا رويس عن فلسفة الولاء التي تختبر طبيعة الأخلاق والايمان وأواصر ارتباطها بمفاهيمه الفكرية والواقعية· وللتعبير عن ماتوصل اليه فكري أغلقت هاتفي مُعلنِة انتصاري على المجهول ووفائي للمعقول· ورفرف علم الحرية في خيالي فاستكفيت ببيتين شهيرين نظمتهما ولاّدة بنت المستكفي وكتبتهما على ثوبها أنا والله أصلح للمعالي .. وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً وأمكن عاشقي من صحن خدي .. وأعطى قبلتي من يشتهيها أيها المُتَصِل قررت أن لايكون الحب لك الآن و لا أدري متى أُحبك··· aisha.bilkhair@hct.ac.ae