في كل مرة، وكل مباراة يستضيفها منتخبنا الوطني تفرض مشكلة الإحجام الجماهيري وغيابه غير المبرر نفسها على الساحة بقوة، وكأنه حكم على منتخباتنا أن تلعب على أرضها وبين جماهيرها كالغريبة، لا تستفيد أبداً من عامل الجمهور الذي يكرر غيابه دون سبب، وما يزيد الامر إحراجاً وتعقيداً الحضور الجماهيري الكثيف الذي تسجله جاليات وجماهير الفرق المنافسة لنا، فتكون كمن تلعب بين جماهيرها وهي على أرضنا، في ظل غياب جماهيرنا او حضورها القليل جداً، متخلية عن مسؤوليتها في دعم ومساندة المنتخب، لتحفيز اللاعبين من جهة وإظهار الصورة الحضارية والمشرفة عن ملاعبنا وكرتنا بالنسبة لكل من يحضر لنا، ويلعب على أرضنا، لكن على مايبدو أن جماهيرنا تستخسر ذلك على منتخباتنا وتكتفي فقط بمطالبتها بالنتائج وتتفنن وتتقن فن الهجوم والتحليل والفلسفة العقيمة· في لقاء منتخبنا الوطني الأخير ضد المنتخب التونسي ظهر لاعبونا كالغرباء في ملعبهم، وأحرجتهم جماهير المنتخب التونسي بحضورها المميز وهتافاتها وصيحاتها التي ظلت تهز الملعب طوال التسعين دقيقة، دون أن تكل أو تمل أو تهدأ، وهو ما كان حافزاً ودافعاً للاعبيها في المباراة، وقد شعرت بالحرج كما شعر به لاعبونا ومسؤولو الاتحاد بعد أن وضعتهم الجماهير في موقف محرج بغيابها غير المبرر، مقابل فاعلية وحضور الجماهير التونسية· أظن أن غالبية التوانسة إن لم يكن جميع من يقطن العاصمة أبوظبي قد حضرالمباراة، وزحف خلف فريقه، لأداء واجبه الوطني، وكما قلت لم تكتف الجماهير التونسية بالحضور فحسب بل أشعرتنا جميعاً بحضورها وتواجدها وكانت بالفعل اللاعب رقم واحد مع المنتخب التونسي، من خلال تشجيعهم الفعال ومؤازرتهم الدائمة طوال التسعين دقيقة، وهو ما أحرج العمدة والقلة القليلة التي جاءت معه، فعندما أراد ورفاقه التشجيع كان تشجيعه على استحياء قبل أن يسكت ومن معه حتى عن الكلام المباح، وراحوا جميعاً في سبات عميق لم يفيقوا منه إلا مع صافرة النهاية، مودعين الملعب· ولايختلف الوضع مطلقاً بالنسبة لمنتخب الناشئين في تصفيات كأس آسيا وهو يلعب على أرضه حيث تشكو المدرجات هجرة الجماهير التي لاتعرف الملعب أساساً· عندما طرحنا الموضوع أكثر من مرة خرج علينا المنظرون والفلاسفة معللين الغياب بالنتائج السلبية وتواضع أداء المنتخب في تلك الفترة، وهو ما لا يشجع ويحفز جماهيرنا الأفاضل على تكبد مشقة وعناء الحضور، ولكن ما سبب الغياب اليوم وقد فاز المنتخب بكأس الخليج وتجاوز كبوة كأس آسيا بالفوز الأخير على المنتخب الفيتنامي في تصفيات المونديال، فهل بعد ذلك من عذر للجماهير للتخلف عن أداء واجبها الوطني بمساندة المنتخب مجرد رأي في اعتقادي أن القضية قائمة على الثقافة العامة والوعي الجماهيري ومدى شعورهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فمن شب على شيء شاب عليه، وقد يكون حديثنا حول القضية كالأذان في مالطا، ولكن رغم عدم جدواه سأواصل الحديث مرة ومئة والفاً، لعل وعسى أن يفك كثر الدق اللحام·