ما نشاهده على بعض مسارح دول الخليج تهريج، واستدراج المشاهد للضحك، وتحويل المسرح إلى ساحة مفتوحة للسخرية، وتبني الألفاظ النابية والعبارات البذيئة، كمبدأ لحشد مشاعر الناس، وتأليب أحاسيسهم ضد الآخر· المسرح فن رفيع وراق، ونتاج إنساني وحضاري، لا يتساوى أبداً مع الابتذال، والتسطيح، واختزال قيم ومعارف الشعوب، في تصرفات وسلوكيات هي أقرب إلى تفريغ القيم الإنسانية من معانيها، وتخليص المفاهيم الحضارية من محتواها، وإبقاء المسرح كشكل خاوٍ، خالٍ من المضمون·· المسرح رسالة، والرسالة اذا لم تقل شيئاً يخدم قضية جوهرية، تصبح ورقة صفراء تذروها الرياح، ولا مكان لها على تضاريس التاريخ·· المسرح عندما يتحول إلى صراخ ونهيق وزعيق، وإطلاق النكات الباهتة، والتنكيل بقيم وعادات الشعوب، هي في الجوهر والحقيقة الأهم حضارياً على مدار التاريخ، في هذه الحال يصير المسرح كبيانات حمقاء عصبية، الهدف منها التعبير عن عقد نقص ودونية فجة· المسرح، عندما يتحول إلى آلة تفريخ لكائنات شوهاء، وأداة تفريغ لنفايات، يندى لها الجبين، يكون هذا الفن قد قضى على آخر رمق في حياة الشعوب· المسرح، عندما يتصدى له أنصاف المثقفين، وأشباه المبدعين يصبح النص المكتوب مكباً لبقايا عظام نخرة، والإخراج مرآة مشروخة، والممثل صورة كرتونية بائسة يائسة· البعض أراد للمسرح أن يكون هكذا، أو أن موهبته لا تتعدى حدود، أهازيج ''أم علاية''، لذلك يأتي العمل المسرحي منافياً للفن، وأصوله وقيمه وأهدافه· الفن رؤية وفلسفة، والفن محاولة بشرية لترتيب ما تكسر، وتهذيب ما تعثر وتشذيب ما تبعثر من الذات البشرية· الفن محصلة استقطاب الحركة الداخلية للكائن البشري وإبرازها بصيغة مماهية لما يجري في الحركة الخارجية وما يحيط بالإنسان من دورة كونية هائلة· الفن صرخة مدوية يطلقها الإنسان لإسكات الدهشة، وعقد المصالحة بينه وبين ما يستبد من كائنات أخرى، يراها بفخامة هذا الفضاء الوسيع· الفن ليس لعبة الصغار، ولا حرفة المشغولين بأمراض البارانويا، والشيزوفرينيا· الفن روح لهذا الغلاف الكوني، وركن أساسي من أركان الخلق البشري· الفن ليس غباراً ترابياً، وإنما هو طين الحياة ومضغته وومضته الأولى·