عدنا من إجازة العيد·· وقد جاءت هذه المرة قصيرة على غير ما اشتهى، وتعود، موظفو الحكومة الذين اعتادوا على مط الإجازات كما يمط المنتجون المسلسلات الرمضانية، حتى غدت بعض المسلسلات تظهر بملاحق خاصة للعيد· ومع ذلك فبعض المط ، مفروغ منه، لضرورة البث الحصري، والإنتاج والتشويق، حتى أن ''حدوتة'' باب الحارة، بدأ الإعداد المبكر لإنتاج الجزء الثالث منها من إخراج بسام الملا، وكتابة مروان قاووق وبطولة عباس النوري، سامر المصري، صباح الجزائري، هدى شعراوي، وبدأت المشكلات تظهر على السطح، الجهة المنتجة غير راضية ولا تريد جزءا ثالثا، ومحطة (أم· بي·سي) تريد استثمار الفرصة، بسام الملا أصيب بنوبة قلبية وتولى إخراج الجزء الثاني بدلاً عنه كوكش والسبيعي ثم عباس نوري الذي أصيب هو الآخر بنوبة قلبية· إذاً·· ليس الجمهور وحده عايز كده، بل أن النقاد والإنتاج وفريق العمل والإعلانات ''وهيبة'' الدراما السورية التي قيل إنها كانت على المحك في الموسم الحالي بعدما هجرها بعض النجوم، وقاطعتها بعض المحطات وعزف عنها بعض المنتجين وهاجمها ''منها وفيها'' بعض مخرجي الفانتازيا التاريخية، وبعض حراس مرمى مصر· لقد قيل أن الاسقاط السياسي فرض نفسه على حجم الإنتاج فتراجع من 35 عملا إلى نحو 20 منها، وتأثرت عملية التسويق سلباً مما حدا بالرئيس السوري لأن يأمر التلفزيون السوري بشراء ما تم إنتاجه بنفس الأسعار المنافسة للحلقة الواحدة ومهما يكن من أمر الشأن السياسي، فحب اللبنانيين تعدى باب الحارة لحب الجارة، وشغفهم بـ''أبوشهاب'' ومعتز وسعاد خانم وأبو عصام لم يقل عن شغف السوريين وكل بلاد الشام، ومنطقة الخليج والمغرب العربي والمهجر بباب الحارة حتى أن عيد الفطر المبارك كان بمثابة ''عيد الحارة'' وحتى أن أبطال المسلسل، كان لهم أشباههم في الحارة والدربونة، والمحلة، والزقاق، والفريج، والنهج والزنقة العربية من المحيط إلى الخليج· فالشباب يأخذه الحماس والافتتان بجرأة ومغامرة ''معتز''، وشطار المدارس الهادئون يحبون عصام، والمناضلون مشغوفون بـ''أبوشهاب'' والحكماء يحبون ''أبوعصام، وأبوبشير'' والنساء الصابرات يدمعن مع دموع سعاد خانم ويخشين من مصير فلذات أكبادهن كمصير ''لطفية'' بسبب تهور أمها فريال ووسوستها وما حفرته لسعاد من حفرة وقعت فيها· أما النقاد الموضوعيون، فلا شك أنهم يجدون في ''حدوتة'' باب الحارة، ضرباً من الأضواء المسلطة على حقبة من الحارة الدمشقية القديمة في الثلاثينيات من القرن الماضي التي اتسمت بجملة من قيم الحارة العربية الأصيلة كقيم الفزعة والنجدة والكرم والطُهر، وقيم الانتصار للعروبة كالقضية الفلسطينية، وقوامة الرجال على النساء - بما لها وما عليها - ، وقيم التضامن الاجتماعي، والخروج عن النص، والمألوف، وصراع القباضايات والحرافيش ''والأبوات'' وطيبة صناع الرغيف الساخن والحمام الدمشقي وجرن الكبة وإقدام الشباب ونخوتهم وتضامنهم، وخروج القليل منهم على العادات والقيم وطقوس رمضان والعيد والحكواتي و''الفتاوى'' الشرعية الملائمة، وصعوبة ''الطلاق'' كأبغض الحلال، وتحول طلاق امرأة إلى أزمة حارة بالكامل·· والآن أصبح الجميع يدرك ابداع أمثال هؤلاء النجوم وقد لا يدرك كثيرون أن سامر المصري ''عقيد'' الحارة هو عقيد في صوته الجميل أيضا ومن يقابله فليطلب منه أن يدندن: ''بالي معاك يابو الجبين العالي وحياة سواد عينيك يا حبيبي غيرك ما يحلالي'' وكل عام وكل حارة عربية أصيلة بخير·