كان شاباً يافعاً رائعاً، رفض الزواج قائلاً: الحرية أحلى وأجلى وما الزواج إلاّ قيود وحدود، وسدود، ومطالب، ومثالب، ومخالب، تَنْشُب غضبها في الروح، حتى تصبح طيراً أسيراً، كسيراً، فلا غصن يحتويه، ولا فنن يضويه· اختار الشارع، نافذة لتنفسه، وانحاز للتحلل من المسؤوليات الاجتماعية على اعتبار أن الزواج أحد هذه الأعباء التي لا يطيقها، ولا يريد تطبيقها، ولا يتمنى تحقيقها في يوم من الأيام، على الرغم من إلحاح الأم الرؤوم، وإصرار الأب الرحوم، إلا أنه دائماً ما كان يرد بتأفف، وتحسف على ضياع عمر الكثيرين، في هذه الكذبة الكبرى التي يقال عنها الزواج استقرار واستمرار لصيرورة الحياة·· كان يستقبل كلام الوالدين، بشيء من الاستخفاف، والارتجاف أحياناً، يلوي بوزه، مشمئزاز متقززا، من كلام، يثير حفيظته، ويؤجج الغضب في صدره·· كان يقول في سره، ما الفائدة من الزواج، طالما الحرية تتحقق من الأطياف والأصناف، مالذ منها وطاب·· ما الفائدة من الزواج، طالما اتيسرت الأمور، والوجوه النحيلة الجميلة النبيلة، تأتيك من كل فج عميق، والجهات الأربع تصدر محسناتها البديعية بكل سخاء ووفاء وعطاء، لا يكل ولا يمل·· لماذا كل هذا التخلف والتزلف والاستقرار عند واحدة، قد تريك نجوم الضحى، وتسقيك المر، وتلقمك ''الأشخر''· لماذا كل هذا الاحتباس الحراري الذي يضع الشباب أنفسهم في تنوره، ثم بعد فوات الأوان، يصيحون من الزوجة ويلعنون الزواج· من الجريمة أن يسوق الإنسان نفسه نحو الهلاك، ثم يصرخ بعد ذلك وا ويلاه من هذا الحظ·· خاض الشاب معاركه الضروس بضراوة المستبسلين وبسالة المنتحرين، وتهور اللامبالين، وتضور الظامئين، واندفاع المغامرين، وفورة المقامرين، حتى وقع المحظور·· في يوم شعر بانتكاسة مرضية فذهب إلى الطبيب فعاينه الأخير، ففحصه وبعد إمعان في التشخيص طلب منه تحليلاً لدمه·· أخذ الطبيب العينة، وطلب منه العودة في التالي، لسماع النتيجة ·· في البدء امتعض الشاب شعر بالقلق طلب من الطبيب أن يطلعه على النتيجة في نفس اللحظة بيد أن الطبيب طمأنه وهو واثق قائلاً: لا تقلق يا سيدي المسألة ببساطة إجراء روتيني وصحتك والحمد لله بخير وعافية·· تراجع الشاب على مضض وقبل رد الطبيب متململاً على أن يعود في اليوم الثاني لأخذ الأدوية المناسبة·· في اليوم التالي دخل الشاب غرفة الطبيب وكان الأخير في انتظاره على عجل فلما لمحه قال: ادخل ·· تفضل ·· جلس الشاب على الكرسي، وكأنه على مقعد الاعتراف، وقلبه يحدثه عن أمر مريب·· نظر الطبيب إلى الشاب قال له بلهجة منطفئة للأسف ما كان بودي إخطارك بأمر هكذا، كنت أتمنى أن أصف لك دواء مقوياً لعلاج الوهن الذي تشكو منه لكن الأمر تبين أنه أقسى من ذلك·· نظر الشاب إلى الطبيب قال: ما الأمر يا دكتور·· فرد الطبيب ·· الفيروس اللعين ·· يا سيد، صاح الشاب ·· بهستريا ·· الفيروس ·· الفيروس·