برنامج لحفظ الهوية المحلية من الاندثار

في منطقة الشارقة القديمة، وفي بيت الموروث الشعبي تحديدا، يلفحك هواء قديم وكأنه مقبل من جنة البحر وفردوس الصحراء، هواء يمتزج فيه ''اليامال'' ونهمة البحر مع ''تغرودة'' البر وأهزوجة الرمل البهي، فهنا يمكن أن تستمع لصوت الرواة وهم ينسجون نول الحنين على إيقاع ساحر وفتان، إيقاع يتوارثه الوقت ويجول في أسماع الذاهلين· يقع بيت الموروث الشعبي في قلب المنطقة الوادعة المسماة ''المريجة''، والتي تعرش على بيوتها القديمة سدرة العراقة كلها، ويجول في نواحيها غبار السكيك المأهولة بالشجن·· إنه منزل المرحوم حمد بن مايد السويدي، الذي فتح بابه الصغير والمشرع دائما لضيوف الذاكرة، فأكرمهم أيما كرم، وأحسن وفادتهم بظل بارد وشوق مديد· تحول بيت السويدي بعد ترميمه إلى منارة للتراث غير المادي، قبل أن تطاله يد العبث والنسيان، ومن ينظر للنخلة الوحيدة والسامقة في صحن البيت، سوف يتيقن أن هذه الدار مصاغة كرمز لمقاومة التذويب العمراني والروحي، إنه بيت قائم على محبة نادرة للتراث، وعلى وفاء ملموس ومكتوب بحبر الشغف فوق جدران البيت، وعلى أساساته الممتدة بقوة في جذر الهوية المحلية· وجاءت خطة دائرة الثقافة والإعلام وبتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لتحويل هذا البيت إلى كنز من المعارف والأسرار والحكايات الطالعة من وهج الأرض، ومن منابع الذاكرة، تحول المكان بفضل الجهود الجبارة والمؤمنة بدورها الثقافي والإنساني إلى مزار لكل باحث وناشط في مجال التراث الشعبي، ذلك أنه يقوم بجمع وتدوين وتحقيق كل ما له علاقة بالتراث الثقافي غير المادي في الإمارات، ويتخذ جميع الوسائل لتحقيق أهدافه بإعداد قوائم جرد للتراث الثقافي، ومشاريع الجمع الميداني التخصصية وتنفيذها في جميع أنحاء الإمارات، وإقامة الحلقات الدراسية والدورات التدريبية وطباعة ونشر وترجمة كل ما له علاقة بالتراث الثقافي الإماراتي· إن هذه الأهداف الواضحة في خطة البيت تشي بضرورة الحفاظ على الموروث كونه علامة وخريطة دالة على قيمة الإنسان وخصوصية الأرض التي أثمرت وأينعت فيها الفنون الفطرية والقصائد العفوية واقتراحات الجمال العمراني وهندسة البناء البسيط والمتآخي مع طبيعة المناخ وشرط التقاليد القائمة على احترام الخصوصية، والأعراف الاجتماعية السائدة· حفظ الهوية تبلورت فكرة تأسيس بيت الموروث الشعبي ليكون أحد أقسام إدارة التراث التي تم تأسيسها في العام ،1995 ويمتلك البيت مجموعة من الآليات المتمثلة في البرامج والإمكانيات والوسائل التي تمكنه من حفظ الهوية الإماراتية من الاندثار، والتراجع أمام نظام عولمي من المحتمل أن تتراجع أمامه الهويات المحلية، وينقسم إلى ست وحدات منفصلة ومتصلة في آن هي: وحدة الجمع والتدوين، وحدة الدراسات والبحوث، الوحدة الفنية، وحدة المكتبة، وحدة المقتنيات، ووحدة الأرشيف والتوثيق· وتقوم وحدة الجمع والتوثيق بجمع وتدوين التراث الشفهي لدى كبار السن والرواة والإخباريين والحرفيين، وكذلك حصر وجمع ما يتوفر في أرشيفات الإذاعة والتلفزيون والوسائل المقروءة، وتضم الوحدة أرشيفا سمعيا وبصريا وصورا فوتوغرافية متاحة للباحثين والمهتمين· وتعتبر ''وحدة المكتبة'' من أولى المكتبات التخصصية في مجال التراث الإماراتي بوجه خاص، والخليجي والعربي بوجه عام· فعلى امتداد عشر سنوات مضت شهدت المكتبة نموا وتوسعا ملحوظين من حيث الخدمات وتقنيات وأساليب العمل، بهدف إيصال الثقافة ووسائل المعرفة لكافة المهتمين والمختصين بالتراث الشعبي الإماراتي· فيما تضم وحدة المقتنيات مجموعة من أندر وأثمن المقتنيات التراثية من مخطوطات وأوعية فخارية وزخرفية وأثاث ومسكوكات وتحف ولوحات ونماذج من الأسلحة القديمة من عهود مختلفة، وخاصة حقبة ما قبل النفط· فمن أولى مهام هذه الوحدة اقتناء المواد والقطع ذات الصفة التاريخية والمتحفية، لتصبح متاحة لتنفيذ برامج وأنشطة إدارة التراث وبيت الموروث الشعبي في الفعاليات الرسمية المختلفة· وثائق نادرة أما وحدة الأرشيف والتوثيق فتضم معلومات أساسية عن الفولكلور الشعبي والمعالم والمواقع التاريخية والأثرية بإمارة الشارقة، كما تضم مجموعة من البيانات التوثيقية والصور الفوتوغرافية النادرة والمخططات التي تصف المبنى الأثري من حيث موقعه الجغرافي وحالته الإنشائية· وتقوم وحدة البحوث والدراسات بإبراز إنجازات إدارة التراث ودورها الثقافي والحضاري ووضع برامج التوعية بالتراث الثقافي الإماراتي وتثقيف جمهور المتعاملين معها في مجال أبحاث ودراسات التراث الشعبي· كما تعنى بتدعيم قاعدة المعلومات المتعلقة ببيت الموروث الشعبي، ونشر الكتيبات والنشرات التراثية، وإنشاء سجل تاريخي متكامل عن التراث الإماراتي خاصة والخليجي عامة، كما تتواصل هذه الوحدة مع الأجهزة الإعلامية المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفزيون وإمدادها بالأخبار والمعلومات المثرية لبرامج هذه الأجهزة· أما الوحدة الفنية فتقوم بإعداد النماذج والمجسمات الجبسية والخشبية وتصوير وتسجيل الفعاليات التي تنظمها الإدارة، أرشفة الصور والأشرطة، وتوفير الرسومات التراثية الخاصة بالفعاليات المتنوعة والإصدارات والمطويات والنشرات التي تصدرها الإمارة، كما يتم الاستعانة بفنيي الوحدة لإقامة الورش التدريبية للطلبة والطالبات في مواسم التدريب الصيفي التي يشارك فيها أعداد كبيرة من الأبناء للاستفادة واكتساب الخبرات والمعارف التراثية·