الزمان يتغير ومع الزمان تتغير الوجوه وتتقلب النفوس، وتنثلم القلوب ·· في الزمان الجميل كانت المناسبات محفلاً إنسانياً رائعاً يجمع الناس على صينية طعام أو فنجان قهوة، كانت السحنات مشرقة متألقة والثغور متفتحة عن ضحكات وأحاديث ودية ندية صافية من غبن وشجن مريع· كانت الصدور شرحة مرحة فرحة، تستقبل المناسبات مزدهرة بالآمال، عامرة بالأمنيات البسيطة، لا تشوبها شائبة عبوس، ولا خائبة ظرف نحوس· الناس كانوا يغسلون صباحاتهم بماء الورد، ويخضبون الأيادي بحناء الود، ويتقلدون حلي الوجد، كانوا محبين، أليفين محتفين بالقريب والغريب، منحازين دائماً للهفة اللقاء، وبهجة الاحتفاء· للصغار ثوب أبيض، ناصع، يرافقهم في الحارات والأزقة، وللصغيرات، فستان مطرز ملون بلون الحياة البهي الزهي· الجار يصافح جاره بصباحات الحنين، والصديق يقبل الصديق على الرأس والجبين·· كانت القبلات، نثات مطر، ورذاذ، شوق منهمر، وحب يتساقط درراً· كان الصغير، معنياً بالتواصل مع المفاصل والفواصل، وأحباب كبروا، وسكنوا سويداء اللب· كان الكبير، مشغولاً بشأن الصغير، مشمولاً بحبه·· كان الفضاء إنسانياً إلى حد الفطرة، والصحراء الشاسعة، كانت رمالها، الدافئة تحتضن خطوات المتواصلين، المنهمكين بتتبع رائحة الأحباب والأصحاب· واليوم، مهدت الصحراء رمالها، ورصفت طرقاتها، فاستوت واتسعت، لكن القلوب، ضاقت، وارتوت، من ملح وقرح، صار اتساعها، كثقب في سم الخياط، فضاقت الدنيا بما رحبت، واكفهرت وتعفرت بغبار، ركض وخض وفض، ولما تسأل عن صديق رفيق عمر، تأتيك الإجابة المرعبة·· أعطاك عمره·· تفتح دفاتر الأيام، عن باقي الأنام، فلا تجد، سوى صور شائهة، شبعت من عويل النسيان تسأل بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا، أو انشغلوا أو تحولوا· اليوم، الأشياء غيرت مجراها، والكويكبات حادت عن مسراها، والنوق البيض كالحة شاحبة سارحة إلى غير هدي أو هدى· اليوم وسائل تطورت، وسهلت وأسهبت في الجزالة، وبقي الإنسان يخب خبيبه، في اللامحالة، لم يكسب من زاد الدنيا، سوى الوصل برسالة نصية إن تيسرت وإلا غفا واختفى وسار بعيداً، سار عميقاً، والجاثيات أحلام باهتة معلقة بين السماء والأرض، والحريق في السحيق سؤال يتردد أين كنا وكيف أصبحنا والصديق يسأل الصديق، لماذا لا نلتقي؟ والجواب كلمة جامدة تستقر على الشفتين، لا أدري·· الزمان، تغير·· وكلنا نلقي اللوم، على الزمان، والزمان يتحرك يخطفنا منا، ونحن نحتل مكاناً، في التضاريس، ونحتسي من الفراغ، لوعة السراب·· ونقول·· نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا