بشأن الحالة التي جاءت في طيات مقال أمس الأول اتصل شخص لم يشأ يذكر اسمه، كان محتجاً مرتجاً، وتصورت من فيض عصبيته، أن الزبد تطاير من بين شفتيه المرتجفتين، الأخ كان معترضاً، على كتابة مثل هذه المقالات التي تتعرض إلى سمعة البلد وتسيء إلى الإمارات· حقيقة ساءني ما قاله الأخ، وترك لديّ انطباعاً، بأنه إذا كان بين ظهرانينا أناس ومسؤولون مهملون لا يقدرون المسؤولية، فإنه أيضا هناك مجموعة من البشر، تعيش زمنا غير زماننا، وواقعاً غير واقعنا، وعقليات لازال يعشش في خلاياها فكر متخلف، متزلف، هؤلاء يعتقدون أن النقد تجريح، والتنبيه إلى الأخطاء تجاوز، وتسليط الضوء على مواطن الخلل والزلل إساءة، أقول وبكل صراحة، إذا كانت الإمارات قد حققت إنجازات رائعة، في مجال النهضة في مختلف مجالاتها، ويشهد لها البعيد والقريب، فذلك لا يعني أننا نعيش في جمهورية أفلاطون الخيالية، ولا نحن مجتمع مثالي، وكل من يكتب وينتقد ويشير بالسبابة، إلى عقبة هناك وعثرة هنا، فإنما يكتب من دافع الحب، ووازع الأمانة، نكتب لأننا نحب بلادنا، ونريدها، دائما في مقدمة الصفوف، نريدها دائما على رأس السارية، وفوق القمة·· نريد لبلادنا أن تتجاوز أخطاء يقع فيها غيرنا، لأننا نملك الإمكانات البشرية والمادية، ما يؤهلنا لأن نحقق طموحات وآمال وأمنيات أهلنا وناسنا·· نكتب لأننا نعتز ببلادنا، ونفخر بقدرات أبناء شعبنا، فإذا بدر هنا خطأ أو برزت هناك ثغرة، فواجبنا الوطني يحتم علينا استنهاض الهمم، ورفع الحجاب، وكشف العتاب، والبوح بلا ارتياب، والسير قدما باتجاه المصارحة والمفاتحة، والمصالحة مع النفس، ولا يعني ذلك أننا نوجه التهم أو نلقي باللوم على أفراد بعينهم، بقدر ما نحن نتحدث عن قضية، والمسؤول ما هو إلا موظف عليه أن يسمع ويتخاطب بالتي هي أحسن، وبأريحية وشفافية تساعد على حل المشاكل·· لا نريد مرافعات، وخطابات عصماء، ودفاعاً عن الباطل، ونقول كما يقول المثل الشعبي ''تيس ولو طار''·· قضايا الإنسان في بلادنا، وكل ما يتعلق بلقمة عيشه أومصير أبنائه، أمانة في أعناقنا جميعا، والساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن نريد من المسؤولين، أن يكونوا آذاناً صاغية وعيونا مفتوحة وعقولاً واعية وقلوباً صافية وصدوراً واسعة، تتحمل أعباء المسؤولية قبل تحمل أثقال الكلمات التي قد لا تروق، لهم·· نريد أن ينحاز هؤلاء إلى الحقيقة، كما أنجزت بلادنا ما أردنا تحقيقه· نريد من هؤلاء مساحة من الحوار وبلا دوار أو خوار، نريد منهم الانصهار في بوتقة الوطن الواحد، لأننا جميعاً معنيون بشؤونه وشجونه، معنيون بأحلامه وآماله، وعند اكتشافنا للأخطاء لا نريد أن ندس رؤوسنا في الرمال، لأن هذا ليس من شيم الرجال، والقادمون الجدد من أبنائنا سيرقبون ويرصدون ويحصدون ما تجنيه عقولنا وأيدينا·· أما نحن ككتاب فليس دورنا السب وإنما البوح بحب ولا الشتيمة، وإنما استنهاض الهمة والشيمة·