الخوف في عالمنا أصبح كالظل يلازم صاحبه، لا يفارقه في الغفوة ولا يغادره في الصحوة· الموظف يخاف على وظيفته من موظف آخر يسطو عليها، والمدير يخاف من الوزير أن يجامل شخصاً آخر على حسابه ويسحب منه هذا المكتسب الذي يعتقد أنه ورثه أباً عن جد· الطفل في البيت يخشى من منافسة شقيقه له في العطايا والمزايا· الزوج يستريب من زوجته، فكل لمضة أو غمضة يحسب لها ألف حساب· والزوجة تتوجس وتتحسس من أي حركة ليس فيها بركة من الزوج، فقد يلتفت هنا أو هناك، وخيرات الله في خارج البيت أكثر وأشد وأنكأ من الملح· الصديق يهاب صديقه أن يفشي سراً أو لا يفي بوعد· والصديقة تحترق كمداً كلما شاهدت صديقتها تتحدث بالهاتف مع أخرى احتساباً لأي طارئ يطرأ وتتغير الأحوال، والمقال في الهاتف يجره مقال، وهكذا تتغير الأحوال، وتفقد صديقة العمر·· الفرّاش في مكان العمل يحبو حبواً لكسب ود المسؤول عنه حتى لا يستبدله بآخر، سائق التاكسي يتلفت في الشارع يمنة ويسرة حتى لا يخطف منه سائق آخر أحد الزبائن· الصحفي يجامل هذا بخبر، ويمالئ ذاك بمقال، ويضع الزهور والرياحين على كل معلومة يسترقها من مصدر يريد الاستحواذ على ابتسامته البهية وطلعته الزهية· والصحفيون أكثر الناس قلقاً وألقاً، وأحياناً تملقاً لأن بريق التألق يسرق لبهم، ويخلب ألبابهم ويجعلهم دائماً في حالة تلف ولهف وشغف، باتجاه من يريدون التدفؤ تحت عباءته· الخوف صار كائناً بشرياً يمشي على قدمين، يحرك الخلايا والنوايا ويأتي بالرزايا والمنايا، والإنسان حمل وديع، صنيع واقع، أسس بنيانه على حائط مبكى، يتكئ عليه الإنسان، يرثي الحظ وينعى سوء الطالع·· وسوء الطالع يلازم الإنسان في فشله أكثر وفي نجاحه، يبقى راصداً عن بُعد كل خطواته وهفواته وكبواته وغزواته، فإذا وقع قال الحظ·· والخوف هنا قاسم مشترك، للقوي والضعيف· نخاف·· ونخاف، ولا نخاف إلا من الخوف، لأن الثقة بالنفس معدومة، وقوة الشخصية مثلومة، والإرادة مكلومة، والعزيمة مقضومة·· ويستمر الحال ونسأل لماذا الإنسان العربي وحده يصنع الخوف فيعبده ويشكله، ويعلقه لوحة سريالية على جبينه، ونظل نقول: لماذا·· لماذا·· لماذا حتى تتورم هذه الـ (لماذا) فتصبح خوفاً مريعاً فظيعاً شنيعاً، تهتز له أركان الكون وجهاته وزاوياه· الخوف نصنعه لأننا لا نملك سواه، ولأنه الآلة الحادة التي نقطع بها كعوب أشجار ضعفنا المعششة في خلايانا·· نخاف لأننا ضعفاء النفس، وضعفاء لأننا تلقنا اللاءات صغاراً، ورضعناها رضعاً حتى التجشؤ والتقيؤ· صارت اللاءات حبالاً، والحبال صارت أصفاداً، وصرنا نحن المجبولين على تحري ابتسامة المدير، وتحسس طلة من يملك اللعب بالمصير والقادر على كل شيء والقدير حتى استدرار ماء الغدير·