صرخنا بأعلى صوت وتألمنا وندبنا وألبنا العالم ضد ارتفاع الأسعار، وهذا أمر صحيح، ونحن على حق·· لكن هناك ظاهرة غير صحية ومزعجة جداً، أن تصبح الشوارع والمحال التجارية كأنها تعيش يوم الحشر·· لماذا كل هذا الجزع والفزع، واندلاق البشر، كأن حرباً ضروساً ستدور رحاها، لا سمح الله، في كل مناسبة نجد الناس راكضين، لاهثين، عابثين بكل ما في الجيوب من أجل شراء ما يلزم، وما لا يلزم، فالطرق مزدحمة والمحال التجارية تكتظ بالأجساد وتختنق بالأنفاس، والعيون مبحلقة في الاتجاهات الأربع، فإذا كان التجار فتحوا أبواب جهنم في وجه الكبير والصغير، والغني والفقير، لا فرق، وصاروا يبيعون مصائر الناس قبل بيعهم البضائع، فإن هذا اللهاث يفتح شهية كل محتال ومختال، ويغري ويثري أمنيات كل تاجر بأن يكون هو الأكثر ربحاً من سواه·· فالسباق أصبح محموماً والنار تسير في هشيم الأبرياء والبسطاء، وتأكل من لحمهم وتشرب من دمهم، وتمتص جهدهم وعرقهم·· التاجر لا يفهم إلا لغة الربح، وكثير من التجار تجاوزوا هذا المفهوم ليتطلعوا الى الربح السريع، والسريع جداً، والطريق أمامهم ''سالك'' باتجاه الابتزاز واستغلال غفلة الناس وسذاجتهم·· نقول يا جماعة الخير كفوا عن هذا الاندلاع المرير والمروع، تريثوا وخذوا ما تحتاجونه، والبلد في ألف خير، ومفتوح حتى آخر مصاريعه، والطعام لن ينفد من السوق، وبحر الخليج عميق وأسماكه وفيرة، فلا داعي لكل هذا الشظف المصطنع، لا داعي لكل هذا الاجتياح المخيف، وكأن التجار غداً أو بعد غدٍ سيغلقون أبواب محالهم·· لا تخافوا، فهؤلاء حريصون جداً، وملتزمون جداً، وأيديهم دائماً على الزناد·· لن يناموا الليل ولا النهار، بل هم في حالة استنفار دائم من أجل إفراغ جيوبكم من محتواها حتى تدور بكم الدوائر، وتؤول بكم الأيام إلى ''حصير الفقر''·· فلا تمنحوهم هذه السانحة المانحة، بل تيقظوا وانتبهوا، خذوا ما تحتاجونه، وكفوا عن الدوران حول أنفسكم حتى آخر رمق في الجيب·· كفوا وخففوا الوطء، فرمضان كسائر الشهور، ولم يأت هذا الشهر من أجل الغرف والنزف والصرف·· هو شهر قالوا لنا عنه ونقول ونكرر هو شهر التهذيب والتشذيب، شهر النظام في الطعام، وتنشئة النفس على الصبر والجلد·· فتجلدوا وعلموا النفس بألا تكون أمارة··