يأتي رمضان، وفي كل رمضان تنفتح الأفواه تثاؤبا، وتسترخي الأجساد ترهلاً وتـــوهـــن العقــول كسلاً· في رمضان يصومون عن الطعام والشراب ويضربون عن العمل بحجة الصيام·· في رمضان السهر إلى أنصاف الليالي وحتى طلوع الفجر، وبزوغ خيوطه البيضاء ثم النوم في العسل بعد كسل أطاح بالجسم والعقل· في رمضان ترى الوجوه مكفهرة مغبرة مصفرة والجفون ذابلة خاملة مسبلة وترى الناس سكارى وما هم بسكارى يتطوحون ويتمايلون في دوار ملك الجسم والعقل·· في رمضان يلجم البعض لسانه عن مضغ الطعام ولا يحجمه عن علك السير الذاتية لكل دابة وهابة·· البعض يحلو له الفراغ بعذر الصيام ويستمرئ ''الانسداح'' على أريكة اللغو، فيهذي كأنه الواقع تحت تخدير كلي، و''يلت ويعجن'' في سيرة هذا وسمعة ذاك ثم بعد حين من الغفلة يفيق مستغفراً محمدلاً وكأن شيئاً لم يكن·· البعض يفضل النوم نهاراً والتسكع ليلاً ويا سعد المولات وأصحابها فهي عامرة زامرة محتفية محتفلة باللفيف القادم بشراسة الضباع الجياع ومن يأتي لقضاء حاجة أو غرض فلن يجد موطئ قدم ولا إصبع لأن الجموع قد استيقظت والحشر انتشر واكتظ وارتض وانخض في لهوجة الذين على رؤوسهم الطير· في النهار لا تشم إلا رائحة الأفواه، وكأنها مواسير اندلعت من قعر ماء آسن، وفي الليل وآه من الليل ليل معطر مخضب مزخرف، بهي، زهي، مبتسم، متسم بالوسامة وترى ما لا يراه النائم الحالم تزهى بنور الأقمار ورائحة الأزهار والكاعبات النضرات يتمنعن وهن الراغبات·· كل ذلك يتم في ليالي رمضان وكل ذلك والناس قد تخلصوا من مسؤوليات العمل بقوانين سنت ذاتياً كل ذلك والناس قد جعلوا من رمضان شهر الانبطاح نهاراً والاكتساح تشرداً في الليل· في رمضان النهار خامداً جامداً هامداً وفي الليل تنفتح الأفواه مُصدحة ياليل يا عين· في رمضان تصبح مكاتب الموظفين والمؤسسات الخدمية التي على عاتقها تقع مسؤولية إنجاز ومطالب الناس تصيح اللهم إني صائم فهي خاوية على عروشها، فالموظف المسؤول إما أن يكون جالساً على كرسيه صائماً عن العمل أو نائماً في بيته بعد قضاء رحلة ليلية استنفدت كل جهد ونشاط في العقل والجسد· في رمضان لا تستطيع أن تحدث أحداً فيما يخص العمل، أما في غيره فتحدث واسترسل في إسهاب وأطناب واسرد ما حفظته من مشاهد المسلسلات في الليلة الفائتة فستجد العيون المغمضة تنفتح شيئاً فشيئاً حتى البحلقة ثم الحملقة·