تدخل إحدى إمارات الدولة، وكأنك تلج صحراء مُغبرة، رفست فيها الخيل، وعاثت، وعبثت، وخربت، ودمرت، وأبادت وأفسدت· تدخل هذه الإمارة، وكأنك، على أبواب ميدان دارت فيه معارك طاحنة، ساخنة، ماحقة ساحقة، تدخل والدخان قد تطاير، كأنه الخسف والنسف، والسماء مدلهمة مكفهرة، عابسة، جاهمة·· تدخل، ورائحة الأسمنت، المتجولة، وباء مستفحلٌ، تملأ الجهات الأربع، تهدي الناس الطيبين رسالة فحواها أن الزمان الذي كان لن يكون وأن الواحات الخضراء الممتدة حزاماً قشيباً، عشيباً، رحيباً، مهيباً، ولت وأدبرت إلى الأبد·· وما بقي، طين على الأرض مغسول بعوادم السيارات، وغبار مسربل برطوبة خانقة في السماء·· فلا عادت الأرض أرضهم ولا السماء سماؤهم، بل هم، كائنات، تائهة، مجندلة بالعبث البشري، يغتال فيها الفرح، ويحتال على مشاعرها، وآمالها، وأمنياتها· من يدخل إحدى هذه الإمارات، يرى البشر أشباحاً، والحزن صداحاً، والنظرات مفتاحاً، للقنوط والهبوط والضغوط النفسية التي أصبحت أثقل حملاً من الجبال، وأشد فتكاً من كارثة تشيرنوبل، وأفظع هتكاً من الحروب الدامية التي دارت في القارات الكبرى· مَنْ يدخل إحدى هذه الإمارات، يرى المصانع النفاثة عابرة القارات السماوات والأرض تنفث السم الزؤام، في صدور الأنام، والهوام فلا إنسان ينام قرير العين، ولا حيوان، يستقر به المقام، هادئاً مستكينا· مَنْ يدخل إحدى هذه الإمارات، يرى إحدى العجائب السبع في الدنيا، ويرى ما يراه النائم، في ليلة كابوس مفزع· يرى الناس سُكارى وما هم بسكارى، ولكن من شديد، الأسى، هم حيارى، يرى الصغير، يستغيث بالمستشفيات لعلاج الربو، وانسداد الشرايين، ويرى الكبير، يرفع اليدين، مبتهلاً، اللهم ارفع الغمة، عن الأمة، اقشع الغبار الاسمنتي عنا، وأسكت فمه·· من يدخل إحدى هذه الإمارات، يرى، الخفقات والسكنات والهمسات، والنبضات كلها مدقوقة دقاً، تحت رحى، عجلة، القطار السائر بالاتجاه المعاكس، في مشهد مشاكس، عابس، يرمي، جمرات الغبار الحمقى، ويخضها خضاً في الصدور والثغور، والنحور، ويقول هذا بخور الاقتصاد المتنامي·· من يرى هذا المشهد الدرامي، يشعر بأن كل ما تفعله وزارة البيئة ومعها، وزارة الصحة، عبث لا نفع فيه، ولا فائدة·· يقولون إن التدخين ضار بالصحة، هذا صحيح، ولكن هذا الإضرار، نقطة في بحر، السيل العرم، من الأتربة، والغبار، المتراكم والمتزاحم، والمتلاحم، والمتفاقم، والمتعاظم، شر مستطير يقضي على الشجر والحجر، والبشر·