أحيت بعض الجهات المعنية بالطفولة في الدولة الليلة قبل الماضية طقسا جميلا من طقوس الزمن الجميل، حيث كان الصغار يطوفون بيوت الفريج إحياء لما يعرف بحق الليلة التي تصادف ليلة النصف من شعبان، وهم ''يقرقعون'' بما جمعوا من حلوى وأشياء صغيرة في أكياسهم البسيطة، يدعون أصحاب البيوت المشرعة أبوابها، وهم يرددون ''عطونا الله يعطييكم، وبيت مكة يوديكم''· ومع تغير الزمن واختفاء الفرجان، وتمدد الأسمنت ما زال لإحياء الطقس معنى ودلالات جميلة، وإن تبادر جهات تعنى بالطفل بتبني مثل هذه المبادرات يمثل اصرارا على رفض الانسلاخ عن الجذور وتكريس لهوية انسان هذه الارض الطيبة، الرافض للذوبان في عصر العولمة، سيما وهو يواجه رياحا قوية عاتية لا قِبل له بها، تهب من اطراف عدة لعل منها اولئك الذين يريدون خلط الاوراق وتزييف الذاكرة، ويعتبرون هذه الممارسة البريئة من البدع الدخيلة، بينما يغضون الطرف عما هو أخطر من ذلك؛ مما يهدد باستلاب هوية جيل بأسره· وذات مرة طلبت مذيعة في برنامج اذاعي من مجموعة من الصغار تحديد ألعابهم الشعبية فلم يسعفها أي منهم باسم لعبة واحدة· وعلى الجانب الآخر، تدفع رياح أخرى باتجاه معاكس تماما، يخلف نماذج مسخ يترآى شيء منها في المراكز التجارية وهي بأشكال غريبة ولكنات أغرب، مشاهدتها تعصف بك، أيعقل ان تكون منك أو أنت منها؟· نماذج تعيش كما لو كانت مسطولة تحت وطأة هذه الاجهزة الصغيرة المنتشرة، تقبض عليها بكل قوة· ووسط الهبوب ونقع الغبار لا تسبعد أن تكون الطقوس ومحددات التراث والهوية قد تعولمت وتقولبت في اتجاهات لا تمت بأي انتماء الى الحقيقة التي خرجت من باطن هذه الارض أول مرة· لأولئك جميعا نقول لا تستكثروا على هؤلاء الصغار أن يعيشوا لحظات فرحة من بقايا ذلك الزمن، حيث القلوب تتسع لكل طارق والأبواب مشرعة في استقبال كل قادم· أم تريدون تركهم أسرى حصار ''البلوتوث'' و''البلاي ستيشن'' في عصر القلق والارتياب بين الجار وجاره في غابات الأسمنت؟!