أن نشعل شمعة خير من أن نلعن الظلام، نحن نلعن الظلام كثيراً، وبكينا من الجهل كثيراً، وخسرنا من ندرة الوعي كثيراً، ومُنينا من فعل التخلف بانكسارات فادحة، وانهيارات جارحة، وخضنا طرقاً كالحة، وشربنا من مياه آسنة مالحة، وجنينا من ثمار طالحة، وزاد الأنين، والضربات تتوالى من جهات العالمين، والانتكاسات تشج وتعج وتضج ونحن ما زلنا نطلب من رب السماوات والأرض والملائكة أجمعين أن يرفع الغمة وأن يزيح النقمة، وأن يرحم الأمة ويفرج الأزمة ويطيح بالطغمة ويكسر شوكة من أسسوا جمهورياتهم في الظلمة، وخاضوا معاركهم في العتمة··ما زلنا ندعو السماء أن تنزل علينا مطراً، وأن تحيل البحار نهراً، وأن تجعل من الليل الداكن نهاراً، ومن الخسوف أقماراً، ومن الحتوف أسواراً، ومن العجوف ثماراً· ما زلنا نلعن الذين أبادوا العباد، وزرعوا الخوف في كل وادٍ، وصوروا القتل بالجهاد، وخربوا ودمروا كالجراد، وأشاعوا الفساد في كل البلاد، وقالوا نحن الفاتحين، نحن الفرسان، أيدينا على الزناد، نحن الأولياء الصالحين، وغيرنا شرذمة من بني المقداد·· لا زلنا نلعن، ونطحن دقيق النوايا، ونعجن طحين الرزايا، نتفنن في كيل السباب، ونعلن أن دعاءنا مستجاب، وحقنا مسطور في كتاب، وإن غاب لا يخفيه الغياب، وإن حضر فهو الواضح كالشهاب· لا زلنا نلعن، والشر يطيح ويبيح، ويسخط ولا يسقط، وينتشر ولا ينحدر، ويفجر ويدمر، ويرعب ويرهب، ويكسب الجولات والصولات، ويشيع الأمر المروع، ويصفد وينضد مقولاته وخزعبلاته، في البقاع والأصقاع، ونحن ما زلنا نلعن، ونلحن السيمفونية على فن وشجن، ونقول إننا في أعتى المحن، وأن الزمن غير الزمن، وأن الذي جار واستخار الموت والحزن هو من أصل نتن، وفصيله عفن، ولا زلنا نلعن الذي انحرف، وهوى وانجرف، واصطف اصطفاف شيطان رجف، وسار في الظلمات يدعو للخرف، يحثو الموت في عيون بريء ترف، لا يبالي أن يتم أو نزف لا يبالي إن شرد أو تلف، ولا يحزنه عرض أو شرف، ولا ثكلى أو أرملة كلف·· ما زلنا نلعن، وحومة الوغى تدور رحاها، وتلف لفيفها، وتطحن دقيقها، وأنيابها الصفراء مكشفة، مكفهرة، فاغرة فاه الجوع والعطش لدم ولحم· ما زلنا نلعن الذين تسببوا في الخراب، وفتحوا نافذة السراب، وقالوا للصحراء كوني قبراً، في الذهاب والإياب، وقالوا لعباد الله أنتم الذئاب وأنتم الذباب، وأنتم فساد الألباب·· قالوا لعباد الله افسحوا الطريق للقادم من هناك، فهو المنقذ وهو المنفذ، وهو الجهبذ بيده الصلاح والفلاح، والشفاء من الجراح، وهو النور والمصباح·· ونحن ما زلنا نلعن فقط، والسيل العرم يقضي للعدم، يسوم الناس بالخـــوف والنـــدم، ويشعــــل الحـــريق أيــــنما حل له قـــدم، لا يصحو له ضمير مهما دمر وهدم، فهو الغاشية التي لم تأتِ من عدم·· ونحن نلعن، ونلعن، ولعنة الشيطان لا تكفي لزواله·· وغداً نكمل·