بدأ العام الدراسي، وكنا قد وضعنا الأيدي على القلوب، متخوفين من العقبات والكبوات، كنا نقول اللهم استر في هذه السنة، وتمر الأيام الأولى على خير، وهي أيام المخاض، كنا نتخوف من العمليات القيصرية التي قد تحدث في المدارس، نتخوف من الجراحات التي قد تؤدي إلى عاهات وآهات، وها هو العام بدأ ومعه بدأت الشكوى من نقص في بعض الكتب، ومعاناة في الفصول المدرسية بسبب غبار الصيف الذي ترك وراءه مخلفات تعجز عن حملها الجبال، لكن على العاملين في المدارس باشتراك المدرسين، أن يقوموا بالتنظيف والترتيب والتهذيب ويستمر هذا التعذيب لأيام أو لأسابيع، حتى تنجلي الغمة، وتعود الهمة من جديد للشرح والطرح·· في كل عام، الأيام دوالى، الشكوى نفسها والعلة كما هي، لا يتغير شيء وكأن العام الدراسي يبدأ فجأة وبمباغتة لا يعلم عنه المسؤولون·· كأن العام الدراسي عاصفة هوجاء تهب، أو سيل عارم يخب·· فيشعر الجميع بالمحنة ويلجأون إلى طلب الاستغاثة·· الكل يحسب حساب الإجازات، ويعدها بالدقيقة والثانية وعندما ينتهي عام دراسي تطير الطيور أسراباً، ولا تعود إلى العش الخراب، إلا في الأيام الأخيرة لانقضاء الصيف، لذلك ترتفع حرارة الشكوى وتستعر حالة الطوارئ، والمشاهد للصورة المدرسية وكأنه أمام مشهد درامي، من تلك المشاهد التي نراها في أفلام المآسي والكوارث·· نقول وبصدق أين الصدق في التعامل مع المسألة التعليمية·· لماذا نحن دون العالمين، نعاني في كل عام، ونصرخ في كل عام، ونواجه الطوفان في كل عام·· لماذا تبح أصواتنا، وتشتد أعصابنا، وتعلو نداءاتنا في الفترة الحرجة، لماذا لا نحسب حساب الإحراج الذي نصنعه بأيدينا أمام الصغار، الذين يجدوننا عاجزين عن توفير مستلزمات الدراسة، ونحن الذين نعتبر أنفسنا المثال والنموذج لهم، نقف عاجزين ضعافاً، خفافاً لا نملك إلا كلمة·· لا حول ولا قوة·· لماذا نصنع هذا الضعف نحن أبناء الإمارات، هؤلاء الصغار الذين يعتزون ويفتخرون أمام غيرهم من الشعوب ببلادهم التي وفرت الغالي والنفيس في سبيل إسعاد الأجيال، لماذا لا يتماهى المسؤولون عن التعليم مع قدرات بلادهم، وطموحات حكومتهم·· لماذا يعجزون عن تحقيق أبسط الاحتياجات لمدارس عمادها الكتاب·· لماذا يكره هؤلاء الكتاب فيقصرون في حقه ويضعونه في آخر اهتماماتهم·· فإذا لم يتوفر الكتاب للطالب فلماذا تفتح المدارس، ولماذا تشرع أبوابها، ولماذا يتسرع المسؤولون في تقديم مواعيد الدراسة وكأن على رؤسهم الطير· الذين يريدون أن يثبتوا للعالم أنهم يولون التعليم أهمية، عليهم أن يؤكدوا ذلك في توفير ما يدعم المسيرة التعليمية ويرسخ أركانها·· ولكن للأسف ما نراه·· هو العكس·