فكرنا في التطوير، النظرية حرارتها عالية إلى حد الرعشة، ولكن التطبيق بارد إلى درجة التجمد·· فالفجوة واسعة باتساع الصحراء القاحلة ما بين الفكرة والتنفيذ·· نريد النجاح في التعليم والوصول إلى مراتب الدول المتقدمة التي خطت خطوات الخيول الجامحة، والنجاح يُريد أدوات تقود النياق في السباق، والأدوات عندنا لازالت بالية خالية من المضمون·· مجرد التفكير في التفوق، لا يعني تحقيق الطموحات، فالأمنيات لا تأتي لمجرد الجلوس على كراسي التنظير، وتأطير الكلام المنمق والمنسق، لإخراجه في مانشيتات عريضة بعرض سبورة الفصل المدرسي، معبرة مدهشة يخال إلى المرء عند قراءتها أننا بالفعل دخلنا العصر الذهبي في التعليم، وأننا تجاوزنا الشرق والغرب، في أدائنا التعليمي وحققنا ما لم يستطع أن يحققه ابن خلدون في مقدمته المأثورة· ومن يدخل إحدى مدارسنا اليوم، تعود به الذاكرة إلى أيام زمان، زمان ''المطوع'' تسمع أصوات الصغار، وهم يرددون وراء المدرس ما حفظه الأخير عن ظهر قلب وبعد انتهاء الدوام المدرسي، والعودة إلى البيوت يكون الطالب قد نسي ما حفظه ولا يذكر من يومه المدرسي إلا مشاغباته مع أقرانه ومشاهداته المثيرة في ذلك اليوم التاريخي·· حقيقة نحن أمام حدث جلل يتطلب منا، أن نقف وقفة مصارحة نحاسب أنفسنا ماذا فعلنا للأجيال خلال الحقب التي مرت والمناهج التي تغيرت مرات ومرات، وكل منهج ينسف سابقه، بل ويخسف به الأرض، فقط لأن المسؤول الجديد يريد أن يفرد عضلاته ويقول لنا، أنا المسعف أنا الخلف الصالح بعد سلف طالح، وما سأقدمه من نظريات في التعليم سوف يتفوق على نظرية التطور لتشارلز داروين، في كتابه أصل الأنواع، وسوف أغير بنظريتي هذه ''وجود'' التعليم البائد ليتفوق طلبتي على سارتر ومن عداه من فلاسفة التاريخ السابق واللاحق·· كل مسؤول جديد يأتي بجديد وجديده منفوخ بهرمونات تنفخ ولا تطبخ والنتيجة عواء في خواء والحصاد فساد في التعليم وانحسار مذل في الفهم والوعي وانكسار في العطاء والاداء والرحى تدور والدوامة تلف بنا حتى داخ الرأس، واشتد اليأس ونقول لا بأس قد يأتي عام جديد وتتغير الأحوال، لكن ما يأتي أشد وأنكى من سابقه، ما يأتي كلام في الهواء الطلق وصولات وجولات وتمنيات لا تسمن ولا تغني من جوع·· ما نلاحظه لا يبعث أملاً ولا يهش ناقة ولا جملاً، فجمل التعليم عندنا مقعد على حصير الأسى والحسرة وكلما تساءلنا عن سبب الكبوات يرد المسؤولون ''الميزانية'' حتى أصبحت الميزانية تتحدث عن عجزها وخبزها، وكأننا نتحدث عن ميزانية التعليم في دولة من تلك الدول، التي لوهب عليها النسيم صاحت من العاصفة والناسفة ولا أدرى كيف يمكن لمسؤول أن يقبل أن يدير مؤسسة كمؤسسة التعليم وهي مؤسسة الأساس والركيزة فيصيح من ميزانية تارة، وتارة أخرى يتحدث عن قدرات هائلة ومذهلة سوف تغير حركة الكرة الأرضية وليس التعليم فقط ·· تناقضات مؤلمة لا يشعر بها إلا أولئك الذين وضعوا أبناءهم أمانة في عنق المسؤولين الذين يعدون بتحقيق الانتصار الرهيب على الجهل والتخلف·