قال المسكين، لماذا الوقت يداهمني، وينساني الناس·· كنا في الماضي رفاقاً تصطف بيوت الناس مشرعة الأبواب، والجيران أحباب، إن يشكو الواحد منا من ألم، فإذا الأيدي تتداعى ممدودة، الكل يداوي جرح الكل، والكل دواء وشفاء، لم نشعر في يوم أنا غرباء، لم نشعر بالحاجة تجلدنا ولا صوت يرد نداء·· قال المسكين الملهوف المشغوف المحفوف بأخطار العازة، يا هذا، الجيب خوى والدين عوى والحال هي الحال والناس لا هون ساهون ورحى الأسعار تطحن هذا القلب، من فيضٍ ومن غيظ، وإن قلت كفانى جازاني الديان بالشكوى وأنا المعجون بأشجاني وأحزاني، أقول لسجاني كفاني فسياط الهم تكفيني ودموع صغاري تسلبني مني·· قال المسكين، وحيد في وجه الريح وجريح، لا أسأل إلا عن قوت الأطفال، وأشياء صارت أمراضاً عضالاً، صارت قيحا صارت شيماً وخصالاً، والحيرة تحفر في القلب مطبات في الدرب، حاولت مراراً أثني أطفالي، وأقول يا أحباب اعفوني من طلاب الدين، فالسكر والضغط دهاني، وصديق الأمس رماني، لا شيء سوى أبواب البنك والبنك أثيم جاني·· قال المسكين، مهزلة مزبلة ورذيلة وحماقات ركبت رأس الإنسان حين تهور مقتنعاً أن الشمس ستشرق في يده، إن فتح الباب للدين والديان، وأن القمر سيمنحه نور الأفلاك بلا نيران، قال المسكين، يا حلم الإنسان، قد كنت صبياً وبهياً واليوم بلا أسنان، قد كنت روايات تسردها للآخر، نقول أتى الفتح ونحن الفرسان، فإذا بالشجعان حثالات في قاع الفنجان وبقايا من زمن البهتان، هدفنا الكذبة، علمناها للصبيان، قلنا هذا، يوم يأتي يحمل في يده خيرات الخلجان أشرعنا، نكتب، نكتب عن زهو أشبه بالدب النعسان، فشربنا من كذبة أبريل، والحمل الكاذب يصدمنا، بالتهويل·· أوَّلنا الأحلام، سردناها فسرنا الأوهام، صارت أوهام الأمس، علامات استفهام، صرنا أفلاماً هندية، أولها فرح، حب، آخرها أسقام، فالعاشق موهوم مهموم، والمعشوق، ''سخام'' ·· إن جاز المعنى فأقول هذا حرام·· أن يبقى الوضع كما الوضع والناس زحام، وكأن الحرب قائمة، والنار ضرام، الناس سباق للأسواق والأسعار الحمقى، متعبة إلى حد الإرهاق·· السوق الحر يمر، ويمر المشتاق يأكل من لحم الناس ينهشهم كالوحش الضاري، لا يرحم مسكيناً، وفقيراً، فدعه يمر دعه يكر، دعه يجر، دعه يصر على الأسعار، شهادة زور، دبلجها محتال، مختال كضارٍ في أدغال·· ويقول المسكين، ما هذا يا دجال، أشعلت الوقت حريقاً وصفدت الأقوال، وقلت لاداعي للوم، فالأحوال غير الأحوال، فإن كنت فقيراً، فكل تمراً، أو جمراً، أو تبراً، ودع أسعاري للناس الأوقار، اذهب يا فأر وقل ما شئت، اصرخ، ابك فلن يسمع صوتي غير صغارك في البيت وستلعنك الجدران والجيران، ويقولون هذا من زمن الشظف والحيف، حجري الأذهان··