قال المسكين·· أحلم وأعلم أن الحلم خرافة·· فالكل توارى خلف لهاث الوقت، ما أعطاني غير الصبر والصبر سخافة·· كيف أواري الوجه، وعين الأطفال تلاحقني، تخطف قلبي إذ أرمقهم، تخطفني مني، فأصير المحصور المكسور، المجرور لأحزان، وكأن الأحزان ولدت قبلي وبعدي، وبين جناحي القلب تسكنني· قال المسكين·· الأطفال إذا رغبوا وهبوا الدمع سجالاً، وعضالاً لا تمنعه كف·· أو أف، فهموا رغبات تتوالى، صياح مرفوع دوماً للأعلى·· إذا قلت لا جمحوا بكاء، وإذا صمت البوح، تنادوا، تنادوا، أبي·· أبي·· أريد كذا وكذا، وكذا حزمة أشياء، ترهق جيبي، تجعلني كالمحتال، أجادلهم، وهموا عرافون والتنجيم مهارتهم، ماذا لو قال المالك أخرج من مملكتي، ماذا لو قال البائع لا دين ولا تأجيل، فهذه آخر كلماتي·· بالطبع سأجلد نفسي وأمر على الجيران والسكان وأصيح هذا وقت ليس بوقتي، التاجر يسلبني والمالك يطردني، والراتب يخجل مني، حين أقول سأدفع في الشهر التالي، والتالي يمر، ويمر التالي، وأنا أسأل نفسي ماذا أقول لأطفالي فهموا صغار، لغة الوقت تباغتهم، والصرعات والموضات تمارس أعباء الدهشة· قال المسكين·· راتب عبوس يئوس، لا يسمن ولا يغني من جوع، فأسأله لماذا كل الأشياء تنمو وتكبر إلا أنت وحيد في جيبي، إذا مددت يدي وجدته أصغر وأصغر، بل أصفر مكفهر، مفر، مدبر، متبخر، قال المسكين، شيء يقهر الصغار في البيت أمنياتهم تتسع هذا الكون بل أكبر، كلما حاولت أن أمني النفس بغد، فالغد يتساوى مع السابق، بل أحقر، لا شيء هنا ينمو في بيتي غير العازة والعازة أمر، أمر من ''الصبر''· قال المسكين·· يا حاجة صغاري· كفي عن العويل، ففي القلب غليل، لو لقمته بحراً أو براً، لاشتكت الأرجاء، من سيل وسليل، يا حاجة أطفالي، نامي قليلاً لأنام، فالقلب مملوء بسقام، والروح طواها ليل غاشم، وطوتها الأسقام، يا ويل الأيام، يا شجن النفس إذا نام الأطفال، بقلوب رفت مكسورة، وأنا الرب لا حيلة ولا قوة، لا شيء لديّ سوى أمل أزرعه، في الأرض الجدباء، وأقول يا ولدي لا تحزن·· لاتحزن وأداوي جروحي، بملح الصبر وصبري صار محناً·· قال المسكين·· هبي يا ريح وخبِّي يا موج، فعسي الريح توافيني بأخبار، فيها ينطفئ الإعصار، والأسعار بلا نار، قال المسكين، إني أغرق، أغرق والدين يلاحقني، فللناس صباحات، وصباحي حزن، وللناس مساءات، ومسائي طفل يغرق في حضني، وأنا حضني خاو، فأقول·· يا طفلي·· إن كنت حبيبي ساعدني كي أشفى منك، ساعدني فأنا المأسور بحبك، يا أسفى وأنا المكسور بجرحك، حين أراك عصيا، تجلدني بالإلحاح، وجراحي من فحوى العد، مر هنا في القلب، مدّ الدرب طويلاً، وطويلاً، حاشاي إن كنت تعمدت الندب، لكن طريقي مسدود محدود، مكدود، مصفود بأغلال الدين وأسعار الراهن في زمني·· قال المسكين يا طفلي خذ عمري ولا تبكي، خذني فأسيرك ياولدي لا يملك غير الأشواق، فإن غدرت أزمان، ستظل الأحداق، يا أنت يا كل الأشواق·· فقد تبتسم الشمس، وأكون بيديك أساور، ولعينيك قبس·· غدا تبتسم الشمس·