الطلاق مرتان·· مرة في القلب وأخرى في اللسان· البعض وبعد عناء وشقاء يتصور أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تستمر حتى وإن عانت من شرخ وفسخ، وذلك من أجل تربية العيال·· والعيال الذين يريد الزوجان المحافظة عليهم، تحت سقف واحد، يتربصون لكل حركة، ويتفحصون كل كلمة، ويتلصصون من طرف عين لكل ما يبدر ويبدو من الوالدين، فالعلاقة الفاترة والحرب الباردة التي تشن من كلا الطرفين تبدو واضحة وجلية، فلا يستطيع قطبا التناقض أن يخفيا ''السماء بمنخل''، والأمور تزداد سوءاً كلما مر الوقت، والأسئلة تكبر وتتسع دائرتها، والصمت المريب يسطو على أذهان الصغار، ويحولها الى نار من تحت رماد، هذا الشرخ العاطفي الذي يدثر علاقة الوالدين يلتهم القلوب الخضراء بعاصفة هوجاء، تصغر فيها الأوراق، وتتفاقم الأشواق لسماع كلمة طيبة، تبث من هنا وهناك، لكن كيف؟ فالأرض أصبحت جدباء، الشح قضى على الأخضر واليابس في الصحراء، وبات البيت مسكوناً بفوضى ''غير خلاقة'' وأعاصير نفشت عش العصافير، وهي لا زالت في زغبها، وأصبح التيه مكاناً لضياع من توسموا المثل والنموذج، فيمن جاؤوا من أصلابهم، الأمر الذي يجعلنا نشير بالسبابة والإبهام أن القلب موطن الداء والدواء، وأن هذه المضغة الصغيرة الحجم هي مركز الكون، وهي محوره وخط الاستواء فيه، وطلاق القلب أقسى وأمر من طلاق الجسد، والذين يحبون أبناءهم، ويفنون العمر من أجلهم، ويتحملون المتاعب من أجل سعادتهم، عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا هذه الحياة الزوجية·· هل هي للتناسل والتكاثر؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن كل الكائنات تفعل ذلك، أما الإنسان فرسالته أشمل وأكمل وأقدس· رسالة الإنسان، تأسيس مملكة جذورها الأم، وجذعها الأب، وأطرافها الأبناء·· إذا خرب الجذر وفسد الجذع، تداعت الأطراف، وتهاوت وهوت وانجرف وانحرفت في مهاوي الرذيلة· الحب الذي يجمع الوالدين هو المصب الذي يسقي الروافد، وهو العمود الفقري الذي على أثره يستقيم عود الأبناء، ومن غير ذلك تبقى الأطراف كقشة في بحر هائج، لا مقر لها ولا مستقر، حب الوالدين آية العلاقة مع الأبناء وصورتها التي تكتمل فيها اللوحة التشكيلية وتتضح ملامحها· طلاق القلب محنة الكون ومعضلة الجهات الأربع، مقبلة الصباح على جبين المرأة، زهرة تتفتح لها شغاف التضاريس، وابتسامة المرأة في وجه الرجل، هي ذروة النشوة ورشفة الحياة وبداية لمعشر رحيب، وتلاق خصيب، بالحب وحده تمنح الطيور أجنحتها للريح فتطير جذلانة، وبالحب وحده تهدي الأشجار أوراقها للشمس، فتقول لها هيت لكِ نفسي·· بالحب وحده تنام الجدران من غير ألق، تسترخي الزوايا من غير احتراق، بالحب وهذا الناموس والقاموس تتهجى العيون ملامح الفرح وتقرأ المباسم كلمات الانتماء الى كون فسيح اسمه الأسرة·· والقلب خطاب الجنات الوسيعة لأبناء التراب أحباب الأرض·· القلب إن نقي من الشوائب أزهر، وإن أسكناه الضغينة اضمحل وتكدر·· ونحن القادرون على نبذ الضغينة وإشاعة السكينة، فقط بقليل من التصالح مع النفس والتماس العذر لآخر نحن منه وإليه وفيه نسكن·· الحياة الزوجية روحان في جسد، وجسدان يحملان روحاً واحدة، فلماذا لا نحب؟ فالحب هو البدء والردء، والكراهية نهاية بلا عافية·