بعيداً عن بعض المهاترات والمزايدات على المشاريع الإبداعية المسرحية، لا يمكن لنا سوى أن نثني على الجهد الذي يقوم به المسرحيون في الإمارات من أجل تحقيق منجز تراكمي مسرحي مؤسس لتجارب يمكن أن تفرز ما نقول عنها تجارب أو أعمال كبيرة، وبلا مبالغات نقول إن في تجربة المسرح المحلي هناك أعمال تعد بمثابة بصمة بارزة في التجربة المسرحية المحلية· هذه التجربة انطلقت منذ الخمسينات من القرن الماضي، من المدارس والكشافة والأندية واستمدت بقاءها مع تأسيس الفرق المسرحية الرسمية وبأيام الشارقة المسرحية التي انتشلت المسرح المحلي من الانزلاق نحو الخفوت وربما التلاشي في الثمانينات، بفضل راعي الحركة المسرحية ومنعشها وهو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث وجه بإقامة أيام الشارقة المسرحية· أيام الشارقة المسرحية أعادت للمسرح التنفس كي يستمر ويقول ويقدم أسماءً ووجوهاً على خشبة المسرح العظيمة، التي ننحني لها تقديراً ونتمنى أن تكون معشوقة السواد الأعظم من الناس هنا، وأن يقدم عليها ما نصبو إليه من أعمال مسرحية تلامس أرواحنا وعقولنا وقضايانا؛ وأن تمسنا من الداخل وتعري واقعنا بأعمال متقنة تنهض بنا ولا تهبط إلى العادي والسطحي والتهريج الأجوف· في الشهر الماضي تفاعلت الحركة المسرحية من خلال ما اصطلح عليه الموسم المسرحي الذي نظمته جمعية المسرحيين وقُدِمت العديد من العروض التي تميزت في أيام الشارقة المسرحية الأخيرة وحصدت الجوائز؛ جالت هذه العروض في مختلف أنحاء الدولة· وخلال الأسبوعين الماضيين كان لجمهور المسرح في العاصمة أبوظبي نصيب من مشاهدة هذه العروض، إذ قدمت عدد من الأعمال المميزة وعكست مدى إخلاص المسرحيين لمشروعهم، خاصة أعمال '' الصرة'' و''اللوال'' و''البكشة'' و''انتظارات'' و''نهار ساخن'' أعمال استحقت تصفيقنا وانتزعت إعجابنا· وهنا من المهم الإشارة إلى الممثل المبدع عبدالله صالح والممثلة أشجان في مسرحية ''انتظارات'' اللذين أجادا على صعيد الأداء وأيضاً قدرة المخرج أبوالعباس على استغلال فضاء الخشبة على الرغم من الإطار الضيق لسيناريو العمل· وكذلك المبدع محمد العامري الذي بدأ يوظف الجنون الجميل كمخرج على الخشبة في مسرحية ''اللوال'' من سلبيات الموسم ( عروض أبوظبي، والتي واظبت على حضورها جميعا) هي العادة المزمنة في حياتنا العربية والمتمثلة في عدم احترام الوقت، حيث كان يعلن عن العرض في زمن محدد، إلا أنه دائماً ما يبدأ متأخراً بمقدار ساعة تقريباً · لكن وإن كانت هذه عادة أو طبع عربي بامتياز، تشكل أو يشكل السبب المباشر في تخلفنا وفشلنا الذريع في النهوض بالكثير من مشاريعنا الفكرية والسياسية والاقتصادية·· فمن غير المنطقي أن يأتي هذا الاستهتار بالوقت مِن مَن عليهم يعول التغيير في القضايا الصغيرة قبل الكبيرة؛ تغيير ما دَرج عليه الناس من سلبية ولا مبالاة· يجب تكريس احترام الأعمال الإبداعية ( مسرح، سينما، أمسيات أدبية وفكرية) من خلال احترام الوقت وعدم الاستهتار به وبالمبدع من أجل حضور مسؤول أو غيره أو حتى عدد الحضور· الحديث يطول حول موضوع الوقت وكيفية العمل على تكريس قيمته كثقافة في المجتمع، لكن حين يكون بإمكان المبدع تحريك الكرسي سنتيمتراً واحداً فعليه أن يفعل· ومن سلبيات الموسم المسرحي أيضاً ( عروض أبوظبي ) الغياب الكامل لكتيبات العروض المسرحية التي من المفترض تكون ضرورة من ضروريات تكامل العمل وتوضيح الرؤية عند المشاهد؛ فكتيبات العمل الفني ليست مسألة ثانوية يمكن تجاوزها·