يقول بابلو بيكاسو ( 188ـ 1973 ): لم تكن صفحة الجريدة تستخدم قط من أجل أن تصنع جريدة، كانت تستخدم لتصبح قنينة أو شيئاً من هذا القبيل، لم تكن قط تستخدم استخداماً أدبياً ولكن دائماً تستخدم كعنصر أزيح عن معناه المعتاد ليتحول إلى معنى آخر من أجل أن يولد صدمة بين تعريف المعنى العادي عند نقطة الانطلاق وتعريفه الجديد عند نقطة الوصول· الفن لم يستخدم بهدف التزيين فقط بل إنه عنصر يجعل من الإدراك حدثاً وارداً، الرمزية هي أداة الفنان للتعبير عن تلك العلاقة الحميمة بين الفن والآخر وقد قال نيتشه: إن إدراك العالم بالرموز هو شرط الفن العظيم· إذاً إدراك حقيقة الفن ليس بالأمر الصعب إن كنت تحمل في داخلك وريداً مملوءاً بالثورة والبصيرة الفنية، فهناك عناصر يستند إليها الفن وإن اختلفت في عددها مثل الخط ، الشكل ، الفراغ ، الضوء والظل· عملية الإدراك متصلة بالموضوع والذات، الموضوع هو الشيء الموجود في العالم الخارجي ويستطيع الشخص إدراكه بالحس ويكون مستقلاً عن الإرادة والوعي الإنساني، بينما الذات هي البوابة التي تقطن في الأسفل وتسكنها الشخصية والهوية، فهي تعبر عن تفكير وشعور شخص هو صاحب الإرادة المطلقة · عملية الإدراك عملية تلقائية تحدث بين خلايا سطح العقل والمحيط الخارجي، أي الواقع البسيط · والجدير بالذكر أن عملية الإدراك خارج إطار الزمان والمكان، حيث يحاول الفن من خلال الإدراك أن يمتطي جواد التجديد ويطعن بسيفه مفهوم التقليد، وهنا تجد الفن الجديد المدرك يرفض محاكاة الماضي، بل يلبسه ثوباً أزرق مزركشاً ويضعه جزءاً من مملكة العقل والمنتج الفني وليس الركيزة الأساسية لوجود الفن؛ وهذا لا يعني أني لا أستطيع أن أعبر عن الفن من خلال اللوحة، بل أجعل التجديد يغزو سطح اللوحة، هناك اتصال واضح بين مفهوم التجديد ومفهوم الأصالة والتراث، لأن هدف التجديد هو تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد · الشكل في المنتج الفني والمدرك حسيا يسمع المشاهد مقطعا من العزف المنفرد ويجعل أطراف الأصابع تشعر ببرد الشتاء وحرارة الصيف، بينما خط أحمر اللون يحرك السحاب على شكل موجة تخترق عالم ميكانيكا الكم · الطريقة التي تم فيها إنجاز المنتج لم تعد مهمة بل في تقنية الفن الذي وظيفته إظهار غرابة الأشياء وجعل الأشكال بسيطة وعميقة، لأن عملية الإدراك غاية في الجمال يجب إطالتها· الإدراك عملية ميكانيكية بحتة تحرك تروس الدماغ بحثاً عن الوسيط المبدع بين سطح العقل والواقع البسيط ، تبعث سيلاً من الإلكترونات بجهد مرتفع وتيار متغير لكي تضيء المصباح فنرى الواقع بأصله الثابت بعيداً عن خدع مفعول (بوركنج) لأن الخلايا المخروطية اتحدت مع الخلايا العضوية من أجل بصيرة معرفية نقية· فالفن وإن تعددت زوايا العمود الفقري لثقافة المجتمع يعتبر نبتة نادرة يجب زرعها في الأجيال القادمة، لأن الفن للمجتمع، والمجتمع قاعدة بيضاء طويلة نرسم عليها ملامح الغد·