ها نحن في حقبة تتضارب فيها أراء العارفين حول التركيبة السكانية وتداعيات عدم اتزانها وسبل طرح استراتيجيات لإنقاذ الموقف الذي تجاوز الإحراج، فتذكرت عبداللطيف اللعبي وتساؤلاته حول دور المثقفين في نبش تفاصيل الشعب، فلاينظرون إليه من وجهة نظر سياحية جديدة أواغترابية ذاتية فيعيدون بذلك إنتاج مقاربة شبيهة بتلك التي تعتمدها العلوم الانسانية الاستعمارية، كما أنه عليهم ألا يميلوا إلى اعتبار الشعب وثقافته في صورة كتلة متراصة، فلا تأخذ بعين الاعتبار التناقضات في صفوف الشعب· ولاحت لي في الأفق أفكار توجب علينا مصاهرتها بالواقع وفهم خصوصية مجتمع الإمارات بدراسة التفاعلات التي تندمج من خلالها فئات المجتمع باختلاف الأجناس والأعراق (اللغة والثقافة والحضارة والدين) والتعرف عن كثب على دقيق العناصر التي انصهرت وذابت في أوعية المجتمع المتعددة· لذا فإن مشروعاً كهذا يتطلب جهوداً جبارة حيث يدأب الدارسون والباحثون والمحللون على تحديد الهوية والإرثين التاريخي والحضاري المطلوب معالجتهما· ولنتذكر أن هذا وحده لايكفي، فإن المجتمع الجماعي الذي ضم عناصر عرقية وأثنية زامنت سنين القحط وهبوط اللؤلؤ وخاضت تجارب اقتصادية واجتماعية قبل ومنذ اكتشاف النفط، عليه أن يعزز ثقتها بانتمائها ويؤكد ولاءها للدولة كوطن يفدى بالغالي والنفيس· إن دراسة كهذه تتطلب شجاعة غير قابلة للتسييس وفكراً قادراً على فرز عوامل الرفض والقبول الاجتماعي والسياسي تحت ظل العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تميل الى الدين والقبلية أحياناً والى التهميش غالباً· وجهة النظر هذه تأتي تأويلاً لما أورده ابن خلدون في مقدمته عن ضرورة تحليل عوامل ''الالتحام بالعشرة والمدافعة وطول الممارسة والصحبة بالمرابي والرضاع وسائر أحوال الموت والحياة، وإذا حصل الالتحام بذلك جاءت النعرة والتناصر فلا يتميز النسب عن الولاية الا عند الاقل منهم''· ويعيش شبابنا في حالة من التعايش التكافلي المتغير تماشياً مع الافتراض الطويل الامد بأن طرفاً ما يستفيد من هذه العلاقة أكثر من سواه، وعلى ذلك توجب ترسيخ الوضع الاجتماعى للمواطن كعنصر أساسيٍ وفعّال لضمان استمرارية هذه العلاقة· على المواطنين اليقظة من النكران، إن المهاجرين لم يتركوا مواطنهم بدافع الزيارة العابرة، بل لكسب الرزق والتجربة وتحسين اوضاع المعيشة والاقامة والاستقرار الدائم والموت في (وربما من أجل) الوطن المضيف· إن هذه الهجرة تأتي تجاوباً مع عوامل الجذب والطرد، وإن تلاشى العامل الاخير· لذا فإننا في أمس الحاجة لدراسة الفئات المجتمعية المختلفة على ضوء خلفيات واستراتيجيات تمكّن صناع القرار من المضي قدماً ومواكبة تطورات مستقبلية تم رصدها وتوقعها· إن الدعوة لتوطين بعض الوظائف يُعد شعاراً ''وطنياً مرموقاً'' يرفع شعبية مسانديه وإن تجنيس بعض الفئات يزيد المواطنين عدداً و''عداوة''، ولكن علينا بالتعمق ودراسة تفاصيل تترتب عليها مستقبل هذه الامة· للمتأمل تتجلى صور كثيرة قد نتعلم منها في عكسها حياة الشعوب وأساليب الحياة المتبعة بين سائر المخلوقات كالاوضاع التي آل اليها شعب اميركا الاصلي وسكان أستراليا الاصليون والجنوب أفريقيون قبل سقوط النظام العنصري وبعده، وبالنسبة للمخلوقات ستعرفنا دراستها على مراحل محورية كالتجانس والتموية والتكافل والتنافع والتطاعم والتطفل والافتراس· وفي هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ الإمارات تذكرت الشاعر الانجليزي جون دون الذي كتب في عام 1624 ''المرء ليس جزيرة بحد ذاته، كل شخص يمثل قطعة من قارة وجزءاً من الاصل· أيغسل البحر هذا البرد وأوروبا واخلاقيات اصدقائنا الذين يغيبهم الموت كما نتوقع· أنا مثقل بالانسانية ويستحيل إرسالي لأعرف لمن تقرع الأجراس؛ إنها تقرع لهم·'' ومن هذا الشعر استوحى ايرنست همينغواي اسماً لكتابه ومنهجاً لمداخله وثناياه· لعل رمزي واضح لمن قرأ الرواية وتعرف على المبادئ والدلالات الميتافورية التي تداولها الرجلان· العنوان البريدي: aisha.bilkhair@hct.ac.ae