لماذا يصرّ بعض الناس حين يتحدثون عن النفس، أن يقدموها على أنها كانت الأفضل، والأكثر تفوقاً وتميزاً عن الآخرين؟ ولو بكثير من الضحك على النفس وعلى الآخرين في غياب الحسي والملموس والموثق كتابياً، على اعتبار أن المتحدث لن يطلب منه أن يثبت ذلك خطياً، وأن المتلقي لن يطلب من المتحدث برهاناً يدوياً، فهو يمكن أن يقدم نفسه باعتباره الأول على دفعته، وهو الأول على نتائج الثانوية العامة على مستوى الدولة، وهو واحد من ثلاثة تم انتخابهم على مستوى الجامعة لتميزهم وتفوقهم الدراسي، وشهادة دراساته العليا كانت بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، كل ذلك يقال في حفلة اجتماعية عابرة، ويمكن أن يقال حين البحث عن عمل أو وظيفة للاستدراج وإيهام الآخر بتلك الهالة الكاذبة· لو نتذكر فقط كيف حدثت مقاومة المتشددين والجاهلين لأمور جديدة ووافدة، هي اليوم ضروريات في الحياة، كيف فتشوا عن نصوص مقدسة ومسندة تدعم معارضتهم، وتحوط المجتمع من هذا القادم الغريب، وهذه البدعة التي يرونها لأول مرة، لو نتذكر فقط·· ظهور أول راديو، وأول تلفزيون، ورؤية طائرة محلقة في السماء، ونشر خبر وصول الإنسان إلى القمر، لو نتذكر فقط ذلك ونقول: ما أكثر الآتي في قادم الأيام، والآتي ليس كله بدعة· هناك صحافة هي أقرب إلى السخافة، والتي تعتمد على مبدأ أطعم الفم، تخجل العين، ويخرس القلم لذلك تسعى المؤسسات الصحفية الكبرى والمحترمة لمنع منتسبيها من أخذ الهدايا واستلام الظروف الملغومة بالدولار وغيره، لكيلا ترتجف يد الصحفي، ولكيلا يثلم قلمه، ولكيلا يتلوث شرف المهنة· هناك صحافة هي أقرب للدجل والشعوذة، والتي تعتمد على مبدأ قال: ع·ط، وصرح و·ن، أما خ·ر، فقد أعلن تمسكه وتشدده بمبدأ الحوار الوطني الديمقراطي، و م·ط دافع عن خططه المستقبلية والطموحة لدعم تعليم المواطن العربي وزيادة وعيه الحضاري والبيئي، صحافة الدجل تمارس شعوذتها على عقل المواطن، لا تتكلموا عن هذه الوزارة لأن فيها فلاناً، ولا تتطرقوا لتلك الدائرة لأن فيها علاناً، ليس لدى المواطن أية مشكلات، والسكن متوفر للجميع، وأهل الإمارات كلهم أغنياء، والخدمات الصحية عال العال، وكله تمام، الطلائعيون والواعون يضعون بحسهم الوطني، ووعيهم الثقافي والحضاري أربعة أحصنة جامحة تجر عربة الصحافة الوطنية للأمام، ولا يدرون أن هناك مائة حمار وحشي يجرونها للوراء· أبشع شيء في الإنسان حين يقرر أن يكذب على نفسه، ويكون هو المتضرر الوحيد، ورغم ذلك يتمادى في الكذب والضرر بالنفس، هي من أشد الأمور ''مازوشية'' لأنه يعذب نفسه، ومن أكثرها إيلاماً و''سادية'' لأنه يتلذذ بتعذيب الآخر، والآخر هذه المرة ليس سوى الإنسان نفسه·