ما أقسى ان تنتابك وساوس مثل توقف القلم عن الكتابة وأن يمر المتبقي من العمر دون حرف على الورق أو حتى على الرمل، وأن تكون هذه الوساوس حقيقة لا نقدر أن نزحزحها من داخل الرأس مثل الحب حين يتشبث فينا، ويدخل قلوبنا خلسة دون سابق تحية، ثم شيئا فشيئا يفرض سيطرته علينا، ولا يدع لنا إلا القدرة على التنفس، لا لنعيش نحن، بل كي يستمر هو في التحقق، ونحن نظل أبدانا نحمله في كل مكان وكل وقت، نتعذب، نسهر الليالي، نعد الثواني كي يطل الحبيب ونعبر له عن الحب الذي نحمله، حب مجنون لا يعرف الانسحاب ولا التلاشي، يعبث في الأيام ويجعل الليالي بين البهجة والحزن · ما أقسى أن تكون الكتابة عصية ومعذبه كما هذا النوع من الحب، أن تكون الحبيبة كنار تحرقك وتحيلك إلى رماد، ثم تعاود الاشتعال وتبعثك من رمادك كالعنقاء، ثم تجرك من جديد وأنت ليس أمامك إلا أن تحب وتستمر في الحب أو تموت أو تجن، أو ترافق الألم· الكتابة هي أيضا حب، حب عنيف وشرس، فما أقساها حين تبعد عنك وتبقى تسهر وتلوك قصص وخرافات، تستدعي صبرك ولاياتي، تستدعي جرأتك ولا تأتي · هكذا في كل ليلة تأن وتخاف أنها قد قررت هجرك وإلى الأبد وتظل تفتش عن شيء جديد يمكن أن يعيدك إلى الطريق أو يدخلك في طريقا آخر كي يستمر العمر دون عذاب · أنه لشعور مدمر، أن تتركك الكتابة، وإلى الأبد· وأنت لا تتنفس إلا بها، لاشيء البتة لديك سوها، لا أموال الدنيا تسعفك، ولا رحيق الفاتنات في ظهيرة شتاء ممطرة يرويك· هي من بها ترى الأبعد من حدود البصر، و بها هي تكون ذا شأن في روحك · عندما تفقد العين أو الأصابع أو السمع يمكنك أن تكتب، فهناك دائما حلول طالما الكتابة حبيبة تبادلك الحب العميق ذاته، الذي تكنه لها في روحك وقلبك وعقلك وكل وجدانك، لكن ماذا تصنع عندما تجور عليك وتكون الحروف عصية التشكل لصياغة قصيدة أو رواية أو قصة، صياغة أي شكل من أشكال الكتابة الجمالية، ماذا تصنع أنت المتيم بها وهي تراك متوترا ومرتبكا، تعتني بكل السبل لجذبها، تترجى منها أن تأتي كي تسكن في راسك وتجود بالكلام· ماذا تصنع إذا نضب مخزون الحروف ؟ ماذا تصنع إذا تراكمت المشاعر والأفكار وأنت لا تستطيع أن تحققها على الورق، أن تجعلها تعيش، أن تجعلها تشم وتتنفس الحياة، أن تجعلها جميلة الجميلات في عيون من يقرا ؟ ماذا تصنع إذا ماتت ؟ الكثير من الكتاب بمجرد أن ماتت الكتابة ·· ماتوا، أما معنويا أو عمليا بفعل الاقدام على الانتحار، الذي يقول عنه البير كاموا ''سرا من اسرار القلب''