يقول تولستوي في مؤلفه ''ما هو الفن'' ؟ عندما نقول إن عملاً فنياً ما، جيد ولكنه غير مفهوم لأغلبية الناس، فإنما يشبه قولنا إن نوعا من الطعام شهي جداً، ولكن أكثرية الناس لا يمكنها ان تتذوقه، ان العمل الفني الأصيل لا يحتاج الى تربية عقلية على نحو ما ينبغي ان يتعلم الإنسان الهندسة قبل ان يفهم حساب المثلثات، وانما يمكن للفلاح البسيط ان يفهم العمل الفني الجيد وقد لا يفهمه المثقف المنحرف عن الدين، وفضلاً عن ذلك لا يمكن ان يكون العمل الفني موضع تفسير، لانه لو كان من الممكن تفسيره باللغة العادية لعبر عنه الفنان باللغة والكلمات· العمل الفني الأصيل يلغي الفواصل بين الفنان والمتذوق، في التقارب والاتصال تكون قوة الفن''· هذا ما يقوله الكاتب موسى الخميسي في إحدى مقالاته المتخصصة في الفن· فالمشاهد العربي دائماً يطالب بفهم العمل الفني المعاصر متناسياً حقيقة الإدراك البصيري للعمل، فالأعمال الفنية اليوم يحكمها التجريب ويدعمها الوعي بحقيقة الفن، حيث لا أستطيع أن أحكم على الأعمال بمعزل عن المشاهد· إن هناك اتصالاً واضحاً بين المنتج والمشاهد، فإذا كان المنتج يتكلم عن قضية قتل العلماء من قبل الكنيسة فلن يشعر المشاهد بمصداقية تلك الرسالة وبالتالي يحدث شق بين المشاهد والمنتج، وهكذا يفقد المنتج قيمته الإبداعية لأن القضية لم يعد لها وجود، أما إذا تكلم المنتج عن التلوث البيئي وقضية الكسارات المنتشرة بجوار القرى الصغيرة يكون التواصل واضحاً بين المنتج والمشاهد، أي يدخل المنتج الفني أسواق البينالي وينافس كبرى الشركات التي تسوق بضائع ضد البيئة لأهداف اقتصادية بحته· الفن مثل الإناء المغلق يصعب تفسير الطعام الذي بداخله ولكن عن طريق الرائحة ولون البخار المنبعث يمكن تقريب الصورة لمحتوى الإناء، فالمشاهد يشم بأنفه رائحة عرق الآلات المنتجة للعمل الفني ويرى بعقلة لون البخار المنبعث من المنتج الفني بذلك يصف الوجبة التي يقدمها للمشاهد ولكن لا يستطيع أن يرى الفن لأن الفنان يقدم الطبق بعد أن يحترق بالنار، بذلك يصبح من المستحيل معرفة المقادير المكونة للوجبة ويصبح طعمها غير مستساغ· الفلسفة، أي التفكير في طبيعة التفكير تجد الفن حالة من الوهم الفكري المتمرد على الواقع والمتصل بالبيئة، بينما يرى كانط أن الفن عمل إنساني بالدرجة الأولى وذلك لارتباطه بالوعي، فلا يمكن أن نسمي بعض الإنجازات الحيوانية رغم ما يمكن أن تتسم به من الدقة، فعمل الحيوان عمل تلقائي وغريزي ينعدم فيه الوعي· لكن هذا لا يعني أن الفن يرتبط بمعرفة أو بمفاهيم قبلية، وإنما هو نتيجة للذوق واللذة، فهو علاوة على ذلك نشاط حر، يختلف عن الأعمال الحرفية الإلزامية التي ترتبط بالارتزاق· الفن في نظر فرويد دعوة لإخراج المكبوتات الجنسية، في الحقيقة الفن عبارة عن ممر طويل جداً يحوي أبواباً مختلفة وكل باب عبارة عن الفن وما على الفنان إلا اختيار الباب الذي يطرقه لينتج عملاً فنياً أخلاقياً أو غير أخلاقي· moc.oohay@97