لأنها مهنة قديمة قدم التاريخ ظلت تسير بموازاة الحضارات السابقة تزدهر بازدهارها، وتكثر في وقت انحطاطها، تتلون وتتشكل لكنها تظل محافظة على هيئتها القديمة، التصقت مرة بالمعابد ومرة بالقصور ومرة ببيوت الفقر ومرة بأماكن اللهو والعبث ومجالس المسامرة والمنادمة، ومرة بتجارة الرقيق والنخاسة ومرة أخرى بالأماكن العامة المرخصة والتي تقبض منها الحكومات الضرائب والمكوس، لا تختلف في هذا الأمر الحضارات الإنسانية في شرقها وغربها في شمالها وجنوبها، بعربها وعجمها، بربرها وتركها وهنودها، لقد ظلت هذه المهنة القديمة تخطو بمحاذاة التاريخ والحضارات، متخطية الجغرافيا والحدود واللغات، لأنها تملك طرقها للوصول ولغتها للتواصل والتقارب· واليوم هي في وقتنا وحاضرنا أصبحت تشكل قلقاً ومرضاً للمجتمعات الإنسانية رغم تنظيم العمل بها والكشف عن المتعاملين معها وإصدار التراخيص الاجتماعية والصحية لها، إلا أنها بلغت درجة أوصلتها لتكون ظاهرة يجب محاربتها وتقنينها خاصة في ظروف الاتصال والتواصل عن بعد وبسهولة ويسر وإشراك الأطفال في لعبة الكبار والقاصرين ودون السن القانونية ورجاحة العقل وعمر التمييز· إن تقرير وزارة العدل الأميركية يظهر أن تجارة الدعارة والبغاء والإباحية يبلغ رأسمالها 8 مليارات دولار وأنها مرتبطة بصناعة الإجرام والمافيات المنظمة وهي ثالث مصدر للدخل لها بعد المخدرات والقمار، إذ يملكون 85 في المئة من أرباح المجلات والأفلام والمواقع الإباحية، وأن عدد الصفحات التي تتعاطى مثل هذه الأمور على شبكة الإنترنت بلغ حسب تعداد، 998 650 مليون صفحة، ومن المتوقع أن تصل إلى 8 مليارات وأكثر عام 2004 وأن عدد المتصفحين بلغوا فقط عام ،1998 140مليون متصفح بأعمار مختلفة، فشركة مثل شركة بلايبوي الإباحية تقدر عدد زوار مواقعها بـ 4,7 مليون زائر كل أسبوع، وأن شركة واحدة فقط تملك أكثر من 300 ألف صورة إباحية· وفي عام 1999 بلغت مشتريات مواد الدعارة عبر الانترنت 8 في المئة من التجارة الإلكترونية والتي يصل دخلها إلى أكثر من 18 مليار دولار سنوياً في حين بلغت الأموال المنفقة على الدخول إلى الصفحات الإباحية 970 مليون دولار، كان من المُنتظر أن ترتفع إلى 3 مليارات دولار عام 2003 - ·2004 والمدهش في هذه الإحصائيات أن 63 في المئة من المراهقين الذين يرتادون هذه المواقع الإباحية ويتصفحون الصور ويقلبون الصفحات والمواضيع لا يدري أولياء أمورهم عن طبيعة ما يتصفحونه على الانترنت وأن أعمارهم الحقيقية تتراوح بين 12-17 سنة فقط· لهذا تقوم المجتمعات الحديثة بابتكار أساليب جديدة ومغرية للحد من ظاهرة البغاء وتأثيرها على أفرادها خاصة الذين في أعمار خطرة والتي يمكن أن تجرهم إلى رذائل أخرى أقوى وأخطر كالمخدرات والقتل والعنف لتكتمل الدائرة التي تقودها العصابات الإجرامية والمافيا المنظمة··