الذي فجر فكرة الموضوع في رأسي امرأة لبنانية من اللواتي ينطقن بعد كلّ كلمة عربية، كلمتين فرنسية، كلمة إنجليزية، كانت تجلس خلفي على متن طائرة خطوط عربية ومعها جروها الصغير في حضنها، ورغم أن هذا الأمر ممنوع على الخطوط العالمية إلا أن كل الأمور عند العرب صابون، طوال الرحلة وهذه السيدة مالها قضية إلا اكتئاب كلبها وامتناعه عن الأكل والشرب، كانت تتكلم عنه بحب غير عادي لكنها لم تذكر زوجها بحديث طوال الساعات الأربع· والذي يعيش في باريس ليس أمامه إلا طريقان إما أن يحب الكلاب ويقتنيها، وإما أن يضمر لها العداوة·· وأنا من الفريق الثاني·· والكلاب سلالات وأنواع منها الصغير الذي يشبه لعب الأطفال، ومنها الكبير الذي يشبه الذئاب والضواري آكلات اللحوم، وقبل فترة ليست بالبعيدة كانت هناك حادثة في فرنسا، وهي اعتداء أربعة كلاب من سلالة ''الولف'' على مربيتها حيث قامت بتمزيق جسدها وأكلها حية، واليوم في أوروبا وفرنسا بالذات أماكن خاصة بالكلاب وحضانات و''بيبي ستر'' تحرس الكلب وتنزهه في غياب صاحبه أوصاحبته، هناك مسابح خاصة، ومحلات كوافير لقص شعره وتجفيفه وتسريحه، وفنادق لاستجمامها، وأطباء نفسيون لمعالجتها من الاكتئاب وأمراض العصر كالقلق والتوتر، كما أن هناك مواخير خاصة ينتقي الكلب فيها أي كلبة يشتهيها ليقضي حاجته المدفوعة مقدماً! مخلفات الكلاب في الشوارع ترهق الميزانية الفرنسية بعشرات الملايين سنوياً، إلا أن هناك بالمقابل جمعيات خاصة برعايتها وحفظ حقوقها وتشغيل أموالها واستثماراتها، هناك بعض الكلاب وصلت ثرواتها إلى مبالغ تتعدى أصفارها الستة ولن أتحدث عن الفنانة ب·ب ''بريجيت باردو'' وجمعيتها لأنها مستعدة أن ترفع قضية على أي أحد وخاصة إن كان من الفريق الثاني الذي لا يطيق أولادها المدللين· وفي لغات وثقافات العالم، تتناقض صفات الكلب فبالرغم من أن الناس متفقة على أمانته، إلا أنهم إذا ما أرادوا أن يشتموا أحداً نعتوه بالكلب، والفرنسيون أنفسهم يطلقون كلمة ''كلبة'' على المرأة المومس، لكن إذا ما التقت نساء فرنسيات فإن جلّ حديثهن يكون عن الكلاب، والشباب المتفرنسون يتصيدون النساء من خلال كلمات الإعجاب التي يكيلونها لكلابهن، فالإعجاب بالكلب أولاً يعتبر مدخلاً لأي حديث عاطفي أوغرامي، وكثير من الزيجات تمت من خلال الإعجاب بكلب، حتى إن ممثل فرنسا الأول جان بول بولمندو تزوج بهذه الطريقة، وفي محلات الأغذية توضع وجبات القطط والكلاب جنباً إلى جنب مع أكلات الناس· وفي إحصائية ظهرت حديثاً تقول: إن في فرنسا وحدها (35) مليون حيوان مدلل أي ثلثي عدد السكان، وضعفي عدد الأولاد والأحفاد، يعيش أكثر من نصف هذا العدد في المنازل والشقق الضيقة أوتشارك الأطفال في نومة السرير، وإن هناك (11) مليون كلب بمعدل كلب واحد لكل ثلاثة بيوت و(8) ملايين قط، تأكل هذه الحيوانات أكثر مما تأكله شعوب دول أوروبا الشرقية القديمة أوإسبانيا والبرتغال، وينفق الفرنسيون أكثر من (8) مليارات عليها سنوياً، ويوجد أكثر من أربعين عيادة بيطرية لها وسيارات إسعاف وسيارات أجرة ومحلات خاصة تهتم بكل ما يختص بالكلب أوالقط، وإن جزءاً كبيراً من الحنان والعطف لدى الأم ينصرف إلى حيوانها المدلل، مما يضعف الرابطة الأسرية ويباعد بين الأم وابنها أوبين البنت وأبيها· كان الناس في السابق يلعنون العيشة التي تشبه عيشة الكلاب إذا ما ضاقت عليهم الدنيا، ولم يبتسم لهم الحظ وأغلقت الحياة في وجوههم، الآن كثير منهم يتمنى أن يعيش عيشة الكلاب، لأنها عيشة رغيدة ومرفهة وطلباتها مستجابة ومشاكلها محلولة، الأمر الذي يجعل بني البشر يحسدون الكلاب في عيشتها، ومن يدري فلربما في قاموس الكلاب الحديث مثل مضاد تتندر به: ''الله يخرب هذه العيشة التي تشبه عيشة الإنسان··هو هو هو··''·