اليوم 5 حزيران يونيو، ولن أكتب عن الهزيمة أو النكسة، كما خففها علينا الإعلام حينذاك، و- تناساها الإعلام اليوم- وأصبحت المفردة جزءاً من الخطاب السياسي وأدبيات الهزيمة· لأنه بعد الهزيمة، انقسم المجتمع العربي إلى ثلاث فئات، فئة الهاربين بالذاكرة إلى الأمام، وفئة جالدي الذات ومقيمي الكربلائيات، وفئة ثالثة هم اتباع النظرية الجديدة ''ما إلك إلا هيفاء، وليس أحنّ من رازان، وأنت ورولا على الفضاء'' ولأننا من الفئة الأخيرة، المسالمة التي ليس لها في السياسة لا ناقة ولا جمل، فئة تهتم بنفسها وبلقمتها، ورزق أولادها الغلابا، ومطالعة أفضل كتب الطبخ الخالية من الكوليسترول والغنية بما في الجزر والخس والأوفوكا من فوائد تعين على الزمن، هي فئة أرنبية ينطبق عليها المثل: ''سارحة والرب راعيها'' لهذه الفئة شغف بمطالعة النجوم والأبراج، وما يخبئه الحظ والبخت والنصيب، تهتم بالترويح عن نفسها، وإزالة همها، بركوة قهوة في الصباح لتنهض من ثقل السكرة ووطأة الفكرة ليلاً، شغلها الشاغل تغييب العقل والعيش على الأمل، هي اليوم تمثل السواد الأعظم من جيل العرب الأشاوس الذين جاءوا ووجدوا الانفتاح هو سيد الموقف، ورجال الانفتاح هم من يقودون المجتمع إلى الهاوية الجميلة بسياراتهم الفارهة التي سموها بأسماء الصنف الذي يروجونه· هو الجيل نفسه الذي شهد عصر فيفي عبده الذهبي، شقة بـ12 مليون دولار ومصعد خاص يصعّد السيارة إلى غرفة نومها- بدلا من الكراج- في الدور العشرين، وستة مرافقين على الميمنة والميسرة وفي القلب وعلى الأطراف وبنفس توزيع الخميس ''الجيش''· جيل وجد الأب يشتغل مهدوداً، مكدوداً من مطلع الفجر وحتى المغرب، لكي يضمن لقمة عيش بسيطة وتعليم أصغر الأولاد، ومحاولة اللعب بهندسة الشقة الصغيرة التي تضم عشرة رؤوس، وشاهد في السينما وقرأ في الصحف والمجلات عن البطولات الوهمية للفنانات، منهن من هزّت عرش مصر، ومنهن من كانت لها مهمة في تل أبيب، ومنهن من تملك نصف البلد بهزة ونصف، ومنهن التائبات إعلامياً ويتاجرن بالدين· هذا الجيل لو طلب منه أن يحدد شخصية الرمز التي يتمنى مستقبلاً أن يكون مثلها، بالتأكيد حظ الأب المعتر سيكون بسيطاً مقارنة بحظ العوالم· نرجع إلى هيفاء ورازان ورولا اللواتي ما لنا إلا غيرهن، فهن ببرامجهن يخففن من وقع الهزيمة علينا، ويجعلننا أكثر شباباً ونشاطاً وبياضاً، وأكثر تفاؤلا بالحياة وبالمستقبل الذي ينتظرنا مع مسيرة القرن الجديد، قرن تخصص التخصص، قرن المعلومات التي تسيّر السياسة والاقتصاد وعجلة الوقت التي زادت سرعتها والإنسان الذي يلهث وراءها، من أجل ذلك، لا بد من وجود أناس مثلهن يسعين إلى إسعادنا، وتخفيف القلق والتوتر اللذين يسيطران على إيقاع يومنا، ودفعنا إلى مزيد من إنتاج الأولاد وعمل الواجب المنزلي· 5 حزيران يونيو، يوم غير مفرح بالنسبة للجيل القديم الذي تساقط مع الوقت والنسيان، يوم صلى فيه الشيخ محمد متولي الشعراوي على هزيمتنا شكراً لله، ولأسباب يعرفها وحده، يوم تبخرت فيه أقوال أحمد سعيد الإذاعية المأثورة وتحطمت الطائرات عند الفجر، فلم ينفعنا المطار السري الذي كان ينادي عليه سائق ومحصل الباص العمومي حين يهمان بتنزيل الركاب ''المطار السري، مين حينزل في المطار السري··؟''· لماذا نذكره والفاصل بيننا وبينه أربعون عاماً مما يعدون، يبدو أنه مكتوب علينا أن نتذكر هزائمنا القومية، وهزائمنا الذاتية، وهزائمنا الفحولية، فهي واحدة وما لها إلا هيفاء ورازان ورولا ونانسي ومروة وباسكال ودانا وماريّا وروبي ونجلاء ومي وبوسي ومريام··