في إحدى زياراتي لتحفة المدن الألمانية، مدينة كولن، أصر الذين أضافوني على أن أشاركهم أمسية موسيقية في مسرح فرقة ''فلهورمونيا'' المدينة· لا أزعم أن هناك علاقة ود وطيدة تربطني بهذا اللون من الفنون، ولكن هالتني طقوس احتفاء القوم بفنونهم، فقبل الدخول للقاعة وُزعت أقراص بيضاء، ظننتها حلوى، ولكن أصحابي خيبوا ظني عندما أبلغوني بأنها أقراص طبية، تمنع إطلاق السعال أو العطسات المزعجة التي قد تفسد متعة متابعة فقرات الحفل الذي استمتعت به كثيرا رغم -ما أسلفت- من أنني لست من المتيمين بهذا الفن· تذكرت تلك الحفلة الألمانية رغم انقضاء سنوات عدة عليها، بينما كنت مع الجموع الغفيرة التي احتشدت الليلة قبل الماضية في قاعة المسرح الوطني بعاصمتنا الحبيبة في الأمسية الشعرية الرائعة للشاعر الكبير محمود درويش، الذي حلق بنا بعيدا في آفاق الكلمة الملتزمة، وهو ينحت حروف قصيده عشقا وحبا· كانت ليلة من البهاء والألق لم يزعجنا فيها إلا مُدّعو الأهمية من الذين لم يكلفوا أنفسهم احترام الحضور الكبير بتحويل هواتفهم النقالة الى خاصية ''الصامت'' أو ''الهزاز''، ومن سوء حظي أن مقعدي كان بالقرب من ممر دائم الحركة لفنيّ يتولى نقل حامل كاميرا تلفزيونية، ما أن يعود الى مكانه قريباً مني إلا ويرن هاتفه، فيترك الحامل ليتفرغ لردوده التي فرض على المحيطين متابعتها بانزعاج لم يلحظه الحبيب الذي كان يعتقد أنه يهمس أثناء الحديث، وغير ذلك كانت الرنات المختلفة النغمات والمشارب تنطلق هنا وهناك، ناهيك عن ''طرطقات'' كاميرات هواتف المعجبين والمعجبات· قال صاحبي ماذا تتوقع من أمثال هؤلاء؟، إذا كانوا لا يقيمون وزنا لبيوت الله وهم يقطعون على المصلين تركيزهم في صلواتهم بهذا الإزعاج البغيض، والأمر أولا وأخيرا قضية ذوق واحترام للآخرين، ونسأل الله أن يشفي مفسدي المتع من عُقدهم·