بعض القراء لديهم انطباع بأن معشر الصحافيين أناس ''ملقوفون''، ''ما يصدقون يحصلون على أي شيء يصل الى أيديهم حتى يبادروا بنشره''، وهو انطباع ربما ترسخ لديهم لما سمعوا به ولمسوه جراء انتشار صحافة الفضائح، والصحف الصفراء في العديد من البلدان العربية والأجنبية· ولذلك تصلني العديد من الرسائل التي يتحدث أصحابها عن تجاوزات ومخالفات يزعمون أنها جسيمة للغاية، وتمثل هدراً غير مسؤول للمال العام، واستغلالاً غير مشروع للمنصب والوظيفة العامة، ولا يكلفهم كيل كل تلك الاتهامات سوى تذييلها بتوقيع ''مواطن غيور''· غالبية هذه الرسائل تندرج ضمن تصرفات كيدية لخلافات بين أشخاص في مكان العمل، ونسبة ضئيلة منها بالفعل تحمل معلومات حقيقية عن وجود هذه التجاوزات، وهي ترد بعد أن أعيت السبل من يريد الكشف عنها، فلم يجد بداً من إرسالها للصحف، لعل وعسى تمارس ''السلطة الرابعة'' دورها كما يجب، وكما يعتقد· وربما خيب البعض في بلاط صاحبة الجلالة أمل هؤلاء، وبالتالي لم يعودوا يجرأوا على البوح بما يرون، ولا يدرون لمن؟· ومن واقع هذه الرسائل البريدية أو ''الإيميلات'' يبرز السؤال الكبير، حول غياب الجهات المسؤولة عن رقابة الأداء في هذا المرفق أو ذاك، ودورها في تشجيع الممارسات الصحيحة في الجهات المسؤولة عن متابعة الأداء فيها، وتعزيز الشفافية وحماية من يريد الإبلاغ عن تجاوزات يراها هنا أو هناك، بصورة تؤدي الى اختفاء التواقيع المجهولة، في أجواء ومناخات من نور الحقيقة والحقائق، فالغيرة على الوطن ومصالحه والمال العام لا تختزل في رسالة مجهولة المصدر والراسل، ويزعم صاحبها أنه قد قام بدوره، ويقول ''اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد''· وهذه دعوة لمكاتب التظلم ودواوين الشكاوى لتغير من نهجها لأجل تشجيع فريق ''الصمت'' ليوافيها بما يرى، مقابل فريق الأكثرية الذي يعشق السكوت·