من يوقظ النزعات الطائفية في النزاعات الأهلية؟ من يحرك الدين ليصبح خنجراً مسموماً ينغرز في الخاصرة؟ من يحول المعتقد ليكون حرفاً جارحاً بدلاً من حروف النور والمعرفة؟ من يلعب على حبال الملة والمعتنق، ليصبحا حبالاً مشدودة لقوس مصوب إلى الصدور؟ من يوقظ الجمر الخابي وسط رماد التاريخ؟ ويظل ينفخ فيها وتكون وقودها اليوم مثلما كانت بالأمس وستكون غداً، الأرواح من الضحايا الأبرياء· تبدو هي خيوط لعبة السياسة حين تكون في بلد واهٍ، مفرغ من سلطاته النظامية، والجميع يريد أن يكسب أو يريد أن يخطف مكسبه قبل الآخرين، ولو كان على جثث المصلين في أيام مباركة وفي أماكن طاهرة، ولو كان خطفاً بالملابس الرسمية، ولو كان عبثاً في الدوائر الحكومية· أعوام مضت على الأحداث في العراق، ولا ندري كم سننتظر من أعوام حتى يتعافى مما هو فيه، وممن هم فيه، لقد مضت أعوام، وهيئ لنا أن كل شيء تغير وسيتغير نحو الأحسن والأفضل، والديمقراطية المنتخبة، والدستور للجميع وعلى الجميع، لقد صدّقنا الأيام، وصدقّنا الأخبار، وشعرنا أن كل شيء سيتغير·· نحو بلد ديمقراطي متعدد الطوائف والملل والأعراق، لكنهم يضمهم البلد الواحد، فالدين لله والوطن للجميع، غير أن اليوم وبعد مضي هذه الأعوام، كل شيء تغير، بما فيه المواطن العراقي، إلا الانفجارات لم تتغير، وإن تغيرت، تغيرت في أعدادها المتزايدة، وأماكنها، بعد هذه الأعوام التي مضت، يكفي ما زرع خلالها في العراق، من قنابل اجتماعية ومذهبية وعرقية موقوتة، والتي ستظل تتفجر، وشظاياها ستصيب الجميع وستطال الجوار· إن ما يجري في العراق اليوم من أحداث عبثية تغطي بظلالها السوداء كل الأشياء الجميلة في ذلك البلد الذي كان جميلاً، مستنقع العراق إلى أين يمكن أن يطرح أسئلته؟ وهل يمكن أن يمتد إلى خارج مياهه الإقليمية؟ هل يستدعي الجيران المختلفين على ما يجري فيه، ليوطدوا أمنه ويحفظوا سلامته؟ أم تكون دعوة للتدخل والدخول إلى تلك المياه الآسنة؟ هل يكون بداية تورط حقيقي وقاس للجنود الأميركيين وتجربة معارك الهوية والطائفة والانتماء وغنائم الحرب وفرص الفوضى؟ هل تنجح إيران في تحويل المواجهة إن اضطرت إليها إلى أرض غير أرضها لكنها تعتبرها ساحتها الحقيقية والخالية والمتاحة، بعيداً عن تعقيدات المجتمع الإيراني الداخلي وحراكه الاجتماعي وتململه العقائدي؟ هل يشهد انسحاباً بريطانياً تفرضه الانتخابات والصراعات السياسية الحزبية وسطوة البرلمان؟ هل تتكرر تجربة قوات الردع وهذه المرة لن تكون عربية صرفة، بل إسلامية، فالعراق غير لبنان ذي الحساسية الدينية والطائفية المغايرة، كما أنه ليست هناك دولة قوية تتبنى الفكر القومي كما كانت سوريا أيام قوات الردع العربية في السبعينيات· هكذا تبدو القراءة الأولى لما يجري اليوم في العراق خاصة بعد التطورات الأخيرة التي اضرت بالإنسان العراقي حد اليأس ومصافحة الشيطان، واضرت بالأماكن الدينية والمزارات المقدسة والذي يمكن أن يكون لعباً خبيثاً على الفسيفساء المذهبية في العراق وتأجيج القوى المتصارعة، لتتحول لقوى متحاربة على ساحة قابلة للتفجر في كل لحظة، ساحبة معها نعرات وحزازات موطنها القلوب والذاكرة البعيدة· أصابع الاتهام تشير إلى قوى خارجية متعددة، مستفيدة من اللعب في العراق، وأخرى تقول إن هذه الأحداث يراد من خلالها إخراج القوى التي تعمل في الطوابق السفلية للعلن·· لكن الواضح اليوم هو قتل المواطن العراقي على العلن··