الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أدونيس وهولدرين ونوفاليس.. انموذجاً لحوار الحضارات شعراً

15 نوفمبر 2006 01:50
د· سلمان كاصد: أقيمت مساء أمس الأول في المجمع الثقافي في أبوظبي أمسية شعرية ونقدية معاً بعنوان ''أمة الشعراء·· نوفاليس وهولدرين وأدونيس'' قدمها المحاضر الدكتور رونالد بيرلفيتس أستاذ النقد الأدبي في جامعة السوربون في أبوظبي· في مستهل الأمسية رحب الدكتور زكي نسيبة نائب رئيس مجلس ادارة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالتعاون الثقافي بين الهيئة ومعهد ''كوته'' للثقافة والتعليم في أبوظبي واصفاً هذا التعاون بالمثمر من أجل ربط الثقافات فيما بينها· كما اشتركت في تقديم الأمسية الدكتورة الكي كاشل موني مديرة معهد جوته بقراءة شعر ''ادونيس'' بالعربية، في حين تولى مطر القاسمي من وزارة الداخلية قراءة شعر نوفاليس وهولدرين بالألمانية· أشار الدكتور رونالد بيرفليتس في بداية قراءته إلى ما يتميز به شعر ادونيس ومكانته المتميزة كأحد أهم الشعراء العرب الذين قرأ لهم ولصوته الشعري المتميز في تقدير الأوساط الثقافية الألمانية· كما سرد جزءاً يسيراً من سيرة حياة ''أندونيس'' (علي أحمد سعيد) الذي ولد في سوريا وكتب الشعر فامتلك حساً شعرياً متفرداً وأصبح وجهاً مهماً من الوجوه الشعرية في الشرق الأوسط، حيث تولى في الستينات رئاسة تحرير مجلتي ''شعر'' و''مواقف''· وهو الآن يستقر في باريس مستمراً في تقديم مؤلفاته النقدية والشعرية· الرؤية الكونية يقول الدكتور رونالد بيرلفيتس إن من أهم مميزات شعر ادونيس هو هذه الرؤية الكونية التي بنى عليها عالمه الشعري، كما أنه يمتلك قدرة معرفية في مناقشة ''نيتشة'' بتحدثه عن الوجود· حيث نشر ادونيس العديد من المؤلفات الابداعية· وفي مستهل حياته الشعرية لقب نفسه بـ ''ادونيس'' مستعيرا اسم الإله اليوناني المتحكم في الحياة والموت· يرى الدكتور رونالد بيرلفيتس أن أدونيس يعتبر جسراً يربط الثقافات والحضارات والذي طرحه عبر مفهوم ''الصبغة وهوية الشاعر'' معتبراً الشعر هو التعبير السامي باللغة كونه مرتبطاً بالحياة ارتباطاً حميمياً· وقال أيضاً مخاطباً الجمهور بأن قراءة شعر ادونيس بالألمانية سيلاحظ عليها كثير من الفوارق الموسيقية معللاً ذلك بأن الموسيقى لا ترتبط بثقافة معينة ولهذا فإن قيمة الشعر بتجاوزه المصاعب للوصول إلى الكونية وقد اختار ادونيس كي يسلط الأضواء على معانيه بعيداً عن الوطن مبتدئاً بنص من ديوان ''أغاني مهيار الدمشقي'' الذي قرأته الدكتورة موني: مزمور/ يقبل اعزل كالغابة/ وكالغيم/ لا يُرد/ وأمس حمل قارة/ ونقل البحر من مكانه/ يرسم قفا النهار/ يصنع من قدميه نهاراً/ ويستعير حذاء الليل/ ثم ينتظر ما لا يأتي· إنه فيزياء الأشياء/ يعرفها ويسميها بأسماء لا يبوح بها/ إنه الواقع ونقيضه/ الحياة وغيرها يقول الدكتور رونالد بيرلفيتس إن أدونيس في هذا المقطع يحكي عن ذاته عندما خلق شخصية مهيار لرغبته في الانقطاع· إذ إن مهيار نبي للسفر فهو لا يمتلك هوية، إنها هوية متنقلة· حيث يسمي الليل باللغة غير المفهومة التي تعتمد التجريد· وذلك - حسب وصفه- تحد وجودي في جوهر هذه الشخصية تتغير بتغير الكون كذلك اللغة، وعليه فإنه يرى أن ''مهيار'' لا يمتلك شخصية واحدة· وأن هذه الصورة الشعرية تعتمد على الفضاء الكوني اللامتناهي بوصفه عالماً ممتداً ومهيار يتناول الوجود والوجودية، إنها انطولوجيا باعتبارها شخصية خيالية· كما أن المحاضر اعتبر دمشق الستينات داخلة في خضم الإحساس القومي ولذا فإن أشعار أدونيس أخذت هذه الصبغة القومية لتتحول إلى العالمية، متسائلاً كيف يكون الشاعر وطنياً ليصل إلى القومية؟ معتبراً هذه الشعرية سؤالاً حول الذات في قوله ''إن أدونيس رسول شعري والرسول يحتاج إلى موطن ولكن ما هو موطن الشاعر؟ الشعر والوجود يرى الدكتور رونالد بيرلفيتس أن موطن الشاعر هو الشعر والوجود·· ثم يتساءل لماذا اختار علي أحمد سعيد هذا الاسم (أدونيس)؟ ولهذا يجيب بأن أدونيس الإله الاغريقي وجد في أرض قريبة وهي (العراق) بوصفه اسطورة للخصوبة وبهذا اختاره علي أحمد سعيد ليربط الشرق بالغرب· أما مهيار فان الدكتور رونالد يرى فيه خطوة هامة في عمل الشاعر ادونيس كون هذه المجوعة التي تحمل اسم ''اغاني مهيار الدمشقي'' تعبر عن ذات الشاعر وتعطينا العديد من المحاور ومن أهمها (الموت والحياة)· يقول الدكتور ارنولد بيرلفيتس: بعد ذلك أصدر ادونيس مجموعة شعرية بالفرنسية اطلق عليها اسم (الهوية غير الكاملة) اتسمت بأسطوريتها وبوجوديتها· إذ إن كل فكر له صبغة للخلق والابداع· إن مهيار ''حسب تعبير الباحث'' ثورة وجودية تعبر عن عمق الفكر والأسئلة الكونية معتبراً القرآن الكريم مصدراً للوحي والإلهام وبهذه اللغة- العربية- يذهب إلى باطن الذات- قائلا- وهذا ليس لدينا في أوروبا فالعرب لديهم لغة تمتاز بجودة عالية· وبما أن مهيار يمثل البحث الدائم عن الخلق والابداع فإنه يمثل الأسطورة أي أسطورة اللاوجود واللامتناهي واللامحدود· إن مهيار يرتبط بأسطورة السندباد وأوديس· بعد ذلك قرأت الدكتورة موني بالعربية مقطعاً من أوديس: أوديس - ''من أنت'' من أي الذرى أتيتْ/ يالغة عذراء لا يعرفها سواك/ ما اسمك - أي راية حملتَ أو رميتْ/ تسأل ''الكينوس''؟/ تريد أن تكشف وجه الميت/ تسأل من أي الذرى أتيت/ تسأل ما اسمي- اسمي أنا أوديس أجيء من أرض بلا حدود/ محمولة فوق ظهور الناس/ ضعت هنا وضعت مع قصائدي هناك/ وها أنا في الرعب واليباس/ أجهل أن أبقى وأن أعود· قواسم مشتركة يقول الدكتور رونالد بيرلفيتس ''نحن مبتهجون أن نرى هذا اللقاء بين أوديس وأدونيس ومهيار في امتزاجهم بالشعر· إن للشعر قواسم مشتركة تتجاوز الحدود وهذا يعطينا فكرة أن الشعر ارث متواصل ما دام (الفن يعطيني الجوهر) ثم يضيف الباحث أن ''ميداني هو الشعر الرومانسي الألماني وعندما قرأت ادونيس أحسست بهدف أساسي وهو أن الشعر لا يقف أمام العوائق· وبما أن هولدرين ونوفاليس يعتبران من أهم الشعراء الرومانسيين حيث يمثل الأول نقلة في الشعر الرومانسي لنهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر فقد أسسا التيار الذي يربط الشرق بالغرب· حيث نجد أن جميع الأفكار التي يتبناها هذان الشاعران هو تقبل الشرق الساحر ورفضهما الغرب المتمحور حول الذات· متسائلاً لماذا لا تتناسل الأمم ما دامت الأمم والذات يمثلان الجوهر والذي آمن به هولدرين حيث يتجاوز الشعر التمحور حول الذات في تحقيقه للذات الكونية· ثم قرأ مطر القاسمي قصائد من هولدرين بالألمانية بعدها قال الدكتور رونالد بيرلفيتس إن الأمم تعبر عن نفسها ومهمة الشاعر هي التعبير عن هذا المفهوم بوصفه مجسداً للأفكار باكتشافه التناغم في المفاهيم· أما نوفاليس فيرى أن الشاعر لابد له أن يقود الأمة في شعره بوصفه معلماً· ولهذا نجد هذين الشاعرين يدعوان إلى رفض التمحور حول الذات ويدعوان إلى الكونية يقول نوفاليس: عندما أرى هذا الليل/ أرى عمقاً للنفس/ أرى وحدة/والدموعَ التي تمتزج بالندى والرماد· وهذا ما نجده عند أدونيس في مهيار في تجاوزه للزمان والمكان والفردية وصولاً إلى الكونية، كذلك نوفاليس الذي يرى أن هناك ذاتاً غير محدودة· لقد بدأ هولدرن من الروح/ الذات المنتقلة من الهند إلى روما إلى إيطاليا وألمانيا لأنه يرى أن ألمانيا لديها رسالة في العالم هي ذلك ''النسر'' بتنقله وتنقل الروح هو ما يعيدنا إلى شعر أدونيس عندما اختار الشرق لكي يحلق فيه وكما هو هولدرين يرى أن الشرق هو مكان لصراع الامبريالية· بعدها قرأ الدكتور زكي نسيبة جزءاً من قصيدة أدونيس ''قبر من أجل نيويورك'': أيتها المسامير المغروسة في الصدر بحكمة/ تقلِّد حكمة الورد/ الريح تهب ثانية من الشرق/ تقتلع الخيام وناطحات السحاب/ وثمة جناحان يكتبان/ أبجدية ثابتة في تضاريس الغرب/ والشمس ابنة شجرة في بستان القدس/ هكذا أحزم لهبي/ ابدأ من جديد/ اشكِّل وأتجدد· ليعلق عليها الدكتور رونالد أن هذا النص لم يكتب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولكن فلننظر إليه· حيث نجد أن ادونيس يتكلم عن (رياح التغيير) ثم قرأت قصائد (صقر قريش·· عبدالرحمن الداخل) مشابهة مع النسر لهولدرين: مهلك يا حنيني الصقر في بادية العروق في مدائن السريرة الصقر كالهالة مرسوم على بوابة الجزيرة والصقر تطريز على عباءة الصحراء·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©