لماذا لا يتوتر الأوروبي طيلة يومه؟ ولا يتلفظ بمفردات السب والشتم التي لا تزيد عنده على كلمتين، يمكنه أن يستعملهما إذا ما وجد ثلاجته فارغة بعض الشيء أو إذا ما سمع خبراً سيئاً عن صديق أو حين يندلق عليه كأس الكوكاكولا البلاستيكي أو حين ينهزم ناديه في مبارياته الأخيرة· في حين العربي يبدأ نهاره بسب أم العيال، وشتم الأولاد، وتعييرهم بالإهمال وعدم النجابة، لأنهم من نسل تلك المرأة التي لا تتوقف عن الأكل وعن النمو عرضاً وعن التمدد غير القابل للانكماش، وعن الثرثرة والشكوى بأنها ليس عندها مثل ما عند النسوان الأخريات، وهي تلعن دائماً سوء الحظ الذي جمعها بـ ''عرّة الرجّالة''· يسب ويشتم العربي إذا لم يتوقف له سائق الأجرة، وإذا ما صادفه زحام وعطّله عن الذهاب إلى عمله الذي هو في الأساس متأخر عنه، وإذا ما حضر مديره قبله إلى العمل، حيث يستغرب ثم يستفهم بمن تصبّح هذا اليوم، وإذا ما طلبت منه زوجته شيئاً للأولاد نفسهم فيه، وإذا ما كحّ ولم يظهر بلغماً حقيقياً، وإذا ما شاركه أحد من زملائه في منقوشة الزعتر، وإذا ما استكتب بـ 100 ألف سهم لشركة جديدة، فخصصوا له 28 سهماً فقط، وإذا ما سمع أن أحداً من رفاق طفولته أصبح في وظيفة عالية، ليلعن حظّه المسخم والهباب، وإذا ما طلب منه أن يتأخر في العمل بعد نهاية الدوام قليلاً، وإذا ما وجد البشكارة وقد هرست له الرز على الطريقة الفيلبينية، وإذا ما عم صريخ الأولاد وهو في عز نومة القيلولة، وإذا ما تجول معهم في مركز تجاري وطلب كل واحد منهم وجبة مختلفة يشتهيها، وإذا ما عاد طفله الابتدائي بطلبات معلمة النشاط أو مدرس الرياضة، وإذا لم يجد موقفاً لسيارته تحت العمارة التي يسكنها، وإذا ما حضر المفتش إلى المدرسة التي يُعلّم فيها بغير حماس ظاهر، وإذا ما استقطع البنك كعادة كل شهر قسط سيارته التي تشكو من أعطال مستمرة، وإذا ما دخل عمله في الصباح المبكر ووجد المراجعين في انتظاره، والكل يرمقه بعين غير الرضا، وإذا ما ذهب إلى الحلاق وغفت عينه عنده، فخطف على شاربه وهو ساهٍ لاهٍ، وإذ ما جاءته فاتورة الكهرباء والغاز هذا الشهر مرتفعة قليلاً، وإذا ما حلّ عقد إيجار شقته السنوي، حيث يبدأ بالشكوى من رطوبة الجدران ومن الناطور ومن ضيق الغرف ومن إهمال الصيانة ومن وكيل العمارة الذي يشبه المرابي· يلعن العربي إذا ما توجع من سن مهملة، وهو لم يزر طبيب الأسنان الذي فاتورته غالية منذ سنوات، وإذا ما جاءه محتاج يطلب سلفاً، وإذا ما ذكرت أم الأولاد الحاجّة والدتها بالخير أمامه، وأن في نفسها حاجة هي الحضور إلى هنا لرؤيتها ورؤية الأولاد ثم الذهاب إلى العمرة، وإذا ما توقفت سيارة ''بيك - أب'' فجأة أمامه، وصدمها لتشبك معها ثلاث سيارات أخرى قدامها، وبقيت سيارته نصفها غائر في سيارة النقل، ورخصة سوقه كانت محجوزة، وتأمين السيارة بالكاد قبل يومين منته، وحاط مخفي·· ونقاله مصّر أن لا ينقطع عن الرنين وعلى الجانب الآخر زوجته القديمة، وحين هم بالخروج من السيارة أقفل الباب على إصبعه، فتلقاه سائق الـ''بيك - أب'' الذي يبدو في كامل صحته ولياقته، ولا يشكو من عافيته، فصرخ في وجه ''أنت ما تشوف·· أعمى'' أليس بعد هذا·· من حقه أن يسب ويكثّر أيضاً؟ في النهاية··هل هذه هي طبيعتنا، أم أن الظروف المحيطة من حولنا هي التي تدفعنا؟ ما أقول إلا'' الله يغربل العدو··''·