أنا المواطن العربي (ك·خ) أحب ''البر والمزيون وأحب ريحة الأوطان'' هذه المحبة لهذه الأشياء الثلاثة، أورثتني بعد عمر طويل لم أقضه في أعمال البر والتقوى، الكثير من العلل والأوجاع والسقم، أما البر فبعدما كان نقياً أصابه التلوث، وامتدت إليه الطرق الاسفلتية مخربة لونه، جاعلة من الكثبان الرملية المتماوجة التي أعشقها، وتعشقها سيارتي الجيب ''بو حايب قصير'' طريقاً أسود، أملس يشبه سعي الأفاعي، وتعكر سماءه بما تنفثه الكسارات، ومصانع الاسمنت، وأبخرة المصانع، وحرق النفايات، والأسمدة الكيماوية وأشياء كثيرة وافدة تلمع في بدايتها، لكنه لمعان السم والعطب، فهواء البر العليل وفجره النديّ ونومه الخفيف، جميعها تعلبت وأصبحت كرقدة النائم في بخّار، خمول وكسل واستنشاق غبار ورطوبة أشياء المخزن، غاب ظل الغاف والصباح المبخر بالطل، واحتراق الحطب وصنع قرص الجمر، اليوم أرّث لي حب البر، ضيقاً في التنفس وحشرجة في الصدر وعطبا في الشعب الهوائية وحساسية في الجيوب الأنفية· أما الأمر الآخر وهو ''المزيون'' فبعدما كان يتلقّاك من وجه الباب مرحباً، يفرش لك هدب العين، يزل لك دلّة القهوة المقنّدة، معطراً ومبخراً ثوبك ومرقدك بالعود ودهن العود، يتفداك بـ ''الغالي وبنظر العين'' اليوم وبعد أن خانت بك الركب، وأصبحت ''شيبة ومِلحْ عيونك، وفي وجهك ليدِري'' أصبحت بعيداً عن العين، وثقيلاً على القلب، قهوتك من القهوة ''السريب والمهيّرة'' وكلمة الغالي ونظر العين لا تسمعها إلا إذا كانت النفس رضية، وتريد شيئاً من السوق، وأمور البيت والأكل الطيب أوكل للشغالتين، بعد كل هذه العشرة للمزيون، ظهرت عليّ بوادر اكتئاب عام، مع خرف مبكر، وفقدان شهية أدى إلى ضعف وهزال، وهشاشة في العظام· أما ''ريحة الأوطان'' فهي التي كانت تدفع بي إلى ملامسة السحب، واعتلاء صهوة المجد، ليس مثل الأوطان وروائحها دافع إلى أن تسخو بدمك كرامة لها ولعزتها، وأن لا يمسها كرب أو مكروه، هي غالية مثل الأمهات وأكثر، مثل النفوس وأكثر، اليوم وبعد هذا الحب الطاهر المطهر، وبعد كل هذا العشق الطاغي المعطر، أرى وطناً يباع، ووطناً يستباح، ووطناً بلا خريطة غير خريطة الطريق، ووطناً قابلاً للكسر، ووطناً ممنوعاً من الصرف، ووطناً مجروراً، ووطناً معلولاً، ووطناً من أسماء كان وأخواتها، اليوم أنا المواطن العربي(ك·خ) أو الملقب بـ (ط·ز) أعلن عن فقدان بطاقة هويتي، وأنني أعاني من ارتفاع كل شيء، ضغط، سكر، مواد غذائية، كوليسترول، يورك أسيد ومحو أمية، كل شيء مرتفع ما عدا الهمة العربية، وحسابي في البنوك، وأرصدة الغلا عند أمريكا وحلفائها المبجلين، لذا أعلن عن فقدان بطاقة هويتي، فعلى كل من يجدها، ويجد في نفسه الكفاءة أن لا يرجعها··