لصالح من هذا الشحن الإعلامي؟ وشد أقواس التوتر، والانفعالات بين الشرق والغرب؟ على الصعيدين الرسمي والأهلي، متخذين من الإسلام وحضارته هدفاً للتدمير أو المزيد من التورط في إلغائية الطرف الآخر، وذلك بدفع الجاهلين والمتعصبين لتولي أمور المبادرة، الأمر الذي يجعل العنف والعنف المضاد هما أعلى الأصوات في الساحة، فتصريحات مستشارو الأمن القومي الأمريكي الاستفزازية على الدوام برغبة أمريكا في إحلال الديموقراطية ومسيرة الحرية في العالم الإسلامي، والنضال من أجل القيم الليبرالية الأميركية التي يجب ألا تتوقف عند حدود الإسلام، حين تسمع من مسؤولين أميركيين هذا الرأي تستطيع أن تعذر من يقول في الجانب الآخر إنها حرب صليبية، وحين يعرض تلفزيون ''سي بي إس نيوز'' في برنامج بوب سيمون (60 دقيقة) مقابلة مع القس اليميني المتطرف جيري فالويل الذي اتهم مرة النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) بأنه إرهابي ورجل حرب، وأن السيد المسيح جاء مبشراً بالحب وكذلك النبي موسى، بعكس النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يقف في الجانب الآخر المضاد، ورأيه هذا - كما يقول - مبني على قراءات كافية لكتّاب مسلمين وغير مسلمين، ثم تطرق إلى الضغوط التي يمارسها الجناح اليميني المسيحي والبالغ عددهم 70 مليون شخص على حكومة بوش، لدعم إسرائيل واستمرار بقائها في المنطقة، لأنها إرادة الله، حسب النص الإنجيليكي، وأن استمرار الصراع في الشرق الأوسط هو البشير الذي سينذر بعودة المسيح، وقيام الحرب العالمية الثالثة، مستنداً على أسطورة ''أرماجيدون'' التي تقول بانتصار المسيح وحكمه للأرض، بعد تطهيرها من الكفار وإنقاذ المسيحيين الأخيار، بعدها سيتحول كل اليهود إلى المسيحية، وأكد على هذه المقولة الأب الروحي للجناح اليميني الأمريكي المتشدد ''إد ماكتيير'' الذي يرى أن النبوءات بدأت تتحقق بصورة سريعة ومتلاحقة، وبدون أي مبالغة كما كان يقول قبل أربع سنوات: إنه يكاد يحبس أنفاسه انتظاراً للنهاية!! إن هذا الحديث اليوم الذي يطلقه المتشددون في أميركا، وفي بعض الدول الأوروبية لن يقابله إلا المزيد من الآراء المتشددة على الجانب الإسلامي الآخر، ولن يترك لصوت العقل والحكمة أن يسود، كما عبر عن ذلك المحلل السياسي الإسرائيلي ''يوسي ألفير'' طالباً من الله أن ينقذ العالم من هؤلاء الأمريكيين المتشددين الذين سيقودوننا إلى كارثة إنسانية، بدعمهم لإسرائيل ولقوتها العسكرية وتشجيعهم للأمريكيين لمعاداة الفلسطينيين وطردهم، وتجاهل مطالبهم وقضيتهم، كما فعل ''فالويل'' حين حث أتباعه على إرسال 100 ألف رسالة إليكترونية احتجاجية إلى بوش، حين طالب بوش إسرائيل بسحب قواتها من المدن الفلسطينية المحاصرة، فهدده بمقاطعة 70 مليون مسيحي ناخب إذا ما فرط بحق إسرائيل في البقاء والتفوق أو إذا ما فكر في التخلي عنها· هل المطلوب منا أن نعتبر هذه الاستفزازات هي إرهاب جديد ومتحضر، في حين ينعت حقنا في الدفاع عن الأوطان والحضارات والمكتسبات الوطنية إرهابا وتخلفا، وعلينا أن ننتظر ''أرماجيدون'' القادمة بكل شرورها إلى الشرق الأوسط، فكما عند الآخرين أساطير ووعود بانتصارات وإبادات وتفوق جنس ودين، لدينا نحن كذلك، فقط العلم والعقل والأخلاق والتسامح يمكنه أن يؤجل ذلك إلى أمد بعيد·