لا نستغرب إن خرج جاهل وكال التهم والسباب وادعى نقيصة في الآخر أو في معتقد إلهي، وهو الذي لم يطلع على حروف العلم والنور وفلسفة الأسئلة وجدليتها، ولا نستغرب إن خرج متعصب وأعمى ونعت الآخر بالكفر والإلحاد والزندقة، وهو بعيد عن المعرفة وما سطّر الأولون والآخرون، غير ملم بالمحاورة والمجادلة، وما تعب عليه الأنبياء والفلاسفة والمصلحون والمجددون، ولكن المستغرب أن تنطلق مثل تلك العبارات المسيئة لواحد من الأديان السماوية، والذي يبلغ معتنقوه ما يزيد على المليار و300 مليون نسمة حول العالم، ومن من؟! من قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، هذا الذي يقف على رأس هرم السلطة الكنائيسية في العالم، وهو من يعرف العالم أن هذا الموقع لا يتبوؤه إلا سالك وعارف بعلوم اللاهوت والكهنوت، ومطلع على الديانات المقارنة، ويجيد على الأقل أربعا من اللغات الحية غير اللاتينية القديمة، وفي النهاية لديه عقلية قادرة على التمييز والفطنة والدراية والفصاحة ومحبة كل الناس، وخلق حوارات بعيدة عن الشر، وفلسفة منطق الخير، تلك هي بعض من صفات من يتولى سدنة الفاتيكان، غير أن الكلام الذي استشهد به قداسة البابا البافاري في محاضرته في جامعة ريغنسبورغ عن الإسلام وعن نبيه الكريم، وأن الإسلام ما قام وتوسع إلا بحد السيف، وأن الحروب الصليبية وموجة اجتياح الشرق بالتالي مبررة، رداً على العنف والتسلط والإقصائية الدينية التي كان يمارسها الإسلام، دون ذكر للسماحة والنظافة وسمو الأخلاق والعلم والعدالة والتكافل الاجتماعي وحرية الاختيار، كل ذاك الذي أتى به الإسلام نساه قداسة البابا أو تناسه واضعاً إياه على حد نصل السيف· قداسة البابا كان يتجول قبل أسابيع في أوروبا مستغرباً من ما آل إليه الشباب الأوروبي الجديد، وعدم إيمانه، وبعده عن الكنيسة وتعاليمها، حاضاً هؤلاء الشباب على التقارب الروحي، لكي تستمر سكينة الإنسان ولا يتوحش، ولتبقى القيم والأخلاق لكي لا يستكلب إنسان حضارة اليوم، وقبل أن يستكمل جولته وضمن لقاءاته بالشباب، نجده حاضاً على التمترس والتحزب وخلق أنا وآخر، متناسياً الحوارات بين الناس والبشر والديانات والحضارات، غافلاً ما تعنيه علو شأن دين على دين آخر، والتمايز بين مرتاد الكنيسة ومرتاد المسجد· غلطة البابا بمليون، فليس لمثله أن يغلط أو يخطئ أو يهرف بما لا يعرف، لأن وراءه مؤسسة كبيرة وقديمة تخطط لكل شيء، ولا يفوتها شيء، ووراءه أتباع بآلاف الملايين، وكلمته له مكانتها وقدسيتها واحترامها عند العالم أجمع، فلا مكانة البابا تسمح له بالغلط ولا الوقت اليوم يسمح بمزيد من التباعد وتمجيد الجهل وتجييش الطرفين، كل ضد الآخر، فلو جاءت الزلة على لسان الرئيس الأمريكي بوش، مثلما قال قبل فترة أن بلاده في حرب دائمة مع الفاشيين الإسلاميين، لعذرناه، لأنه يتكلم بمنطق السياسة البراغماتية، ولا يدعي معرفة ولا يحظى بقداسة، لكنها هذه المرة من البابا، وإن كانت من البابا فهي من الفاتيكان، فلماذا لا يساعدوننا على تجسير هذه الهوة؟ أو على الأقل يعينوننا على إسكات جهلتنا ومجانيننا، لا أن يفتحوا لهم ثغرة كبيرة في الباب ويقولوا جاءونا يحاربوننا بسيوفهم·· ليت عندنا شيئاً مما عمله اليهود لإسكات كل لسان يتطاول على الإسلام والمسلمين، شيء من قبيل ''العداء·· للسامية·· للإسلامية''·