كلمة الإمّعة ما أن أسمعها حتى تثير في النفس ضحكة خفية، لا أدري ربما لتراكيب الأحرف، وربما للمعنى العميق الذي يحرك المخيلة ويخلق صورة للشخص الإمّعة، وأول مرة سمعت بهذه الكلمة من خلال حديث شريف''لا يكن أحدكم إمّعة··'' وهي كلمة تبدو أنها منحوتة كما جاء في قواميس اللغة، والفعل منها تأمّع، أي صار الشخص إمّعاً أو إمّعة، والعرب تزيد أحياناً همزة على الفعل استأمع للمبالغة، والإمّع هو الشخص الذي يقول لكل أحد، أنا معك، ولا يثبت على شيء، لأنه ضعيف الرأي، ويقال أيضاً أن كلمة إمّعة وإمّع جاءتا من تركيب لفظي، أنا مع، أو أني معك، لكن جمعها في الحالتين أمعون، ولا تأنث هذه الكلمة مطلقاً، بحيث لا تتصف بها المرأة، وهذا يبدو من حظ نون النسوة للوهلة الأولى، إذا لا يوجد بينهن من تتصف بهذا النعت، لكن حقيقة الأمر غير ذلك، إذا ما عرفنا العرب وعاداتهم القديمة في التعاطي مع المرأة، ومع تفكيرها، حيث ينقلب الأمر ضدها، لأنهم يعتبرونها أصلاً بلا رأي ولا تشاور وإن شاورتها فخالفها، قال الشاعر: لقيت شيخاً إمّعة سألته عما معه· لقد حاولت أن أجد لها متلازمة لغوية في الإنجليزية والفرنسية، فعجزت خيلي، كل الكلمات تحوم حول صفات الإمعة، ولا تعطيه الكلمة الدقيقة، غير أني وجدت بعض المصطلحات التي تستخدم في الشارع، كلهجة غير أدبية· هذه الحصيرة اللغوية التي فرشناها بداية، هي لغرابة هذه اللفظة وفكاهتها، فإمّعة اليوم ليس شخصاً عادياً، رغم أنهم كثيرون في الحياة، لكن أراها أكثر ما تركب على ''توني بلير'' فما أن أراه للوهلة الأولى على شاشات التلفزيون أو على صفحات الجرائد، أو وهو يرد على أسئلة الإعلاميين، إلا وأتذكر هذه الكلمة بعينها، ومع الوقت التصقت بالذهن مع صورة الرجل الساكن في ''10 داونينج ستريت'' والذي خلف سابقه الرجل الرمادي الذي كان متذبذباً في الرأي، فاختار المنطقة الرمادية، بعد مرحلة تاتشر الحديدية، رغم أنه محافظ، أما زعيم العمال الجدد ففرطها من أولها وجعل من العمال محافظين، متكئاً على إرث سياسي قديم، لكنه ضرب به عرض الحائط، مما حدا بالمؤسسات الديمقراطية، وأنصار التاج الملوكي والعراقة البريطانية أن يتحركوا لزلزلة هذا التوجه السياسي، والذي جعلهم أشبه ما يكونون بالتابعين من غير ذوي الإربة من الرجال· ''مستر بلير'' رغم احترامي له، ولشهادته العلمية، فهو من المحامين القلائل الذي تحصل على شهادة "C.Q" وممن تستشيرهم الملكة، إلا أنه في العمل السياسي، وخاصة الخارجي، فقد اكتفى بدور الرفيق، وهذه الكلمة غير الكلمة العمالية ولا النضالية، إنما هي كلمة محسّنة لرفقة بوش، ولا أريد هنا أن أستعمل المصطلح الإنجليزي الذي تستعمله كثيراً الصحافة البريطانية في وصف رئيس وزرائها المبجل، وسأكتفي بالمصطلح العربي عنوان اليوم الإمّعة، فهو إمّا مع بوش، وإمّا مع بوش! ومن هنا تصدق العربية في نعتها لهذه الشخصية الإنجليزية بالإمّعة، حتى يقال أن بوش لو دخل جحر ضب، لكان بلير سابقه أولاً أو لاحقه تالياً·