لو قيّض لمنتخب كروي أفريقي، أن يلعب في ربوع الولايات المتحدة الأميركية، لوجد جماهير غفيرة تؤازره وتهتف له، لكنه لن يجد من يدعمه ويلمعه ويتبناه ويطبّل ويزمّر له، ذلك أن''الديموغرافيا'' الأفريقية موجودة ومنتشرة، وتشكل نسبة تزيد على 30% من سكان الولايات المتحدة، فالجمهور، إذن، كبير وموجود، ولكن على مستوى الحناجر فقط! وليس على مستوى القرار والإعلام والإعلان، والكونجرس· أما المنتخب الكروي الإسرائيلي، فلو لعب في الولايات المتحدة، فلن يجد له مشجعين من جمهور الكرة، ولا حتى من جمهور البيسبول! بينما سيجد من يرعاه ويموله ويحول خسارته إلى فوز! ويلمّع صورته بالألوان! وذلك على الرغم من أن نسبة اليهود لا تتجاوز 3% فقط من نسبة عدد السكان! هذه المفارقة الرياضيّة، تفسر لنا بعض وجوه الانحياز الرسمي الأميركي للكيان الصهيوني، والانحياز الشخصي تجاه أشياء نحبّها ونشجّعها ونتفانى في الحماس لها دون أن ندري لماذا· في الماضي شجعنا نحن العرب والمسلمين والشعوب المستضعفة محمد علي كلاي لأنه مسلم، ولأنه أسود، ولأننا كنا نريده أن يفجّر غيظه وغيظنا في عدوّه وعدوّنا الوهمي· تلعب نيجيريا ضد الدنمارك فنشجع نيجيريا، ونتمنى الهزيمة للدنمارك، لأنها لا تعني لنا شيئاً ولا تربطنا بها علاقات، ونشعر بأنها بعيدة عنا جداً وأهلها لا يشبهوننا ولغتهم صعبة وأسماؤهم طويلة جداً، لا نعرف من طيباتها إلا الزبدة الدنماركية، وربما يتعاملون هم مع منتخباتنا أو فرقنا بالطريقة نفسها وبمعايير مختلفة عن معاييرنا· نشجع أي فريق يلعب ضد أميركا، ولو كان فريق غواتيمالا، لأننا نشعر بأن أميركا كبيرة ومتغطرسة وتفهم في كل شيء، ما عدا كرة القدم، في حين أن غواتيمالا منكوبة ولديها مشاكل الدنيا، وربما كانت أميركا سبباً أو طرفاً فيها، ولو لعبت السنغال ضد السويد، لشجعنا السنغال، أما إذا لعبت السنغال ضد السنغال فسنشجع السنغال، في حين إذا لعبت السويد ضد السويد فسنشجع السنغال أيضاً، هل هي أمور فطريّة؟ أم أن هناك هاجساً داخلياً يدفعنا إلى التفوق ولو على حساب الغير· البرازيل·· كلّنا شجعها، الأرجنتين فيما بعد، ظل الإنجليز والألمان ينتصرون باعتمادهم على أنفسهم دون تشجيعنا، إذن الإنسان يشجع نادي مدينته، وإذا لعب منتخبه فسيشجعه ويعاضده ضد دولة جارة، أما إذا لعب المنتخب الجار أمام بلد آخر، فسيقف معه ضد منتخب الدولة الأبعد وهكذا· الإنسان يقف مع فريق مهنته ضد فريق آخر ينتمي إلى مهنة أو مدينة أخرى، هذه العواطف تكبر داخل الإنسان ولا يستطيع أن يفسّر ظواهرها، ومهما كبر الإنسان وترقى بوعيه وتعليمه، فسيظل أسير دواخله، وما يملأ عليه ضميره وإحساسه الباطني، بعيداً عن اللعب الجميل ومتطلّبات المنطق والواقع، إنه لعب على دقات القلب··