في الخالدية وعلى الشارع الرئيسي، هناك منطقة مساحتها 20 متراً طولاً و8 أمتار عرضاً، أشاهدها مغلقة، وعمال يشتغلون ويبدلون بلاط الشارع والموقف، قبل أن أشاهد مباريات كأس العالم بأسبوع، ابتدأ كأس العالم ويكاد ينتهي والعمال ما زالوا يشتغلون ويبدلون البلاط ويردمون الحفر، ولم ينتهوا بعد··· السؤال الذي يطرأ عليّ كلما مررت من هناك، هل تلك المساحة تحتاج الى كل هذا الوقت، وكل هؤلاء العمال، وكل هذا الضرر الذي تتعرض له المحلات التجارية الواقعة في تلك المساحة الضيقة؟! أخبرني وطني غيور على سمعة مرافق الدولة المهمة، ومعالم مدينته التي يحبها، حدثني قائلاً: كنت قادماً الى مدينتي من دولة أخرى في حدود الساعة الثالثة ظهراً، وهو وقت الغداء في أيامنا هذه، لكنه وقت الهيور في سابق أيامنا التي خلت، فإذا بي أفاجأ مثلما تفاجأ غيري من القادمين في صالة الوصول، بثلاثة أو أربعة موظفين حاسري أكمام كناديرهم وأياديهم تشخل من العيش، ويبدو أنهم كانوا يضربون بالخمس وقت الظهيرة من تلك الصينية التي جاءت من خارج المبنى، والضرر ليس أن تضرب بالخمس وقت الظهر، فهذا أمر يتحمله الإنسان وحده، حينما يشعر بالتخمة ويكبس عليه نوم القيلولة بسرعة، ويصبح موظفاً متثائباً أثناء شغل الوظيفة الرسمية، إنما الضرر أن يظهر الفرسان الثلاثة وأياديهم محناة بالعيش والسمن والروب أمام القادمين الى المدينة، مغادرين الى المغاسل في الحمامات الجانبية لغسلها بعد تلك الوليمة الدسمة··· قد لا يصدقني الكثير··· لكنه رأي العين، والعين الوطنية التي لا يعجبها منظر كالذي حدث عندنا، وفي مرفق هام·· ولو كان في أنجولا لما همّنا··· ضمنا مجلس كبير، ورأيت الناس في كل واد يهيمون، وانهم يقولون ما لا يفعلون، وانهم يخرصون، ويهرفون بما لا يعرفون، رأيتهم يتحدثون: جماعة في الدين، وشعرة الحلال والحرام، والجنة والنار، والمجتمع المثالي الذي يريدون· جماعة الأسهم، وشراء العقارات والشركات، وفوائد البنوك، وسيولة الحكومة، ودعمها للأعمال والاستثمارات· جماعة لا تعرف البلد، ولا حصة الولد، ولا والد وما ولد، هدفها معرفة من أين تؤكل كتف كبش البلد، وكم تدّر بقرة البلد·· وبعدين لا عاش ذاك البلد· جماعة تستمطر الحياة الماضية، ورائحة القديم في اللهجة والتقاليد وتلك العادات الاجتماعية الجميلة، وبشائر الصيف، وضحكة الجار، وفرحة الضيف، ما زالوا يعيشون ماضيهم في حاضرنا· المشكلة إن ربحت في الأسهم، فستكسب فلوساً وأموالاً في اليد أو في البنك، لكنك إن خسرت في الأسهم، فستخسر عملك الذي أهملته، وبيتك الذي رهنته، وأهلك الذين تركتهم بين الحلم الطائر، والكذب القادم، وستخسر مصداقية اسمك وموقع رسمك، وأولاً وأخيراً ستخسر أموالك التي جمعتها في وقت طويل، في زمن قصير·· المشكلة أنه ليست كل الأسهم صائبة·· بل أكثرها طائشة وخائبة·