إن كان استنكارنا على الذين يشوهون قيمة ملابسنا بتصرفاتهم، وليس بسبب اختلاف أجناسهم ، فإن الاستنكار الأشد يجب أن ينصبّ على الذين منا وتستهويهم ملابس الغرب الغريبة، أو تلك الملابس الرخيصة والمصنعة في بانكوك وإندونيسيا، خاصة وأن موضة السنتين الأخيرتين، جعلت من الحبيب يمشي في المراكز التجارية، وعند محلات التسجيلات، أو بيع العبي أو السينما أو المطاعم التي تفوح منها روائح الكاتشب وزيت البطاطا، وسراريح الدنيا يسحبها معه، بنطلون واسع كخريطة الطحين، وبألف جيب، وفانيلة صغيرة بحجم فانيلة رضيع، وأحذية مثل إطارات السيارات ذات الدفع الرباعي، وقصة الرأس التي تتنوع بصبغاتها المختلفة، فلأول مرة أرى شاباً عندنا صابغاً شعره بلون عنابي أو قرمزي، وتساءلت بماذا سيفيد هذا الرهط - الله يخليه لأمه ـ الأمة العربية والإسلامية، في المحن والشدائد وهو الممحون· قصات الشعر متنوعة: منها الواقف بـ ''سبراي'' وبدون سبب، كنبت شيطاني، ومنها ما تشعر أن حماده قد صبّ سطلاً من الجل على تلك الشعيرات المتدلية على الوجه البشوش، أما شعر صلوح المحلط، فهو كأسلاك شائكة، وأشواك يابسة، أما خمّاس فحلاقة المارين تميزه، تلك التي يسلخ من أجلها جلدة رأسه، ويترك تلك الزنبيعة الشقراء، هي الهادية عليه، مع ضحكة صف أسنان بيضاء تركيبة، لكي يختلف عن صبوح، الذي ترك بقعة من تلك الكشة، وحلق عسه، وسادت في الأيام التي خلت، قصة البانكس المطورة، تقليداً للاعب تركيا ''أوميت دافالا'' أو قصة رونالدو في كأس العالم السابق حين جزّ شعره بالموس على الصفر، وترك بقعة بشعة تشبه عنكبوتاً عجوزاً، ولأنه غير مقتنع بها أصلاً، لم نر في كأس العالم الحاضر لا قصته ولا لعبه· بين ثياب الشباب الجديدة، وقصاته العجيبة، وتعابيره ومصطلحاته التي يغيرها مثل تغيير نغمات هواتفه النقالة، مثل:''عااااادي ، كله ربشه، عاد زين··'' وغيرها، والتي تحس أنك لا تتكلم، بقدر أنك تمضغ لباناً فاقد الحلاوة، لقد أصبحت هذه الأمور تقليداً يستقيه طلع الشباب الجديد من السينما والفضائيات، وأغاني المطربين المصورة، ومن مشاهد السفر، ومن الوسائل الكثيرة المتوفرة، وهو أمر في أوروبا مخالف ومغاير عن المطروح عندنا، فهناك يعتبر جزءاً من الخروج عن إطار المجتمع، ودليلاً على الرفض والاستقلالية، مستمدين ذلك من أطروحات فلسفية سادت في فترات مختلفة في مجتمعاتهم، وخاصة بعد الحرب الكونية، أما نصور وسلوم فليس لهما غاية من ملابس الهتلية وألوانها المموهة غير الفشخرة وخرق المألوف، وتقليد شباب أمريكا السود في مشيتهم ولهجتهم، ولولا الحياء ومخالفة لسعة الخيزرانة التي لا يعرف من أين ستأتيه، للبس سلاسل وخواتم ''مستر تي'' لكن بالمقابل أيضاً تجد شباباً عندنا حين رأوا مثل هذه الظواهر المجتمعية، انسحبوا إلى الذات، ورجعوا يحتمون بالموروث القديم، فالكثير رجع يلبس الكندورة العربية أم طربوشة، ويتعمم بحمدانية، ويدوخ مدواخاً، ويحمل عصا في يده، ويستمع للشلات، وأتمنى ألا تكون هذه المسألة، رد فعل على شباب الموضة والتواليت وإلا ستكون نفسها موضة عابرة·· أو تقاسيم على الموضة·