منذ أن أعلن الرئيس اليمني ''الأخ'' علي عبد الله صالح، والأخ لقب في اليمن، ويكتب في جواز السفر أيضاً، وهذا ما رأيته بأم عيني، أقول منذ إعلان الرئيس اليمني في العام المنصرم عن نيته عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، ولمدة سبع سنوات أخرى، بعد أن قضى في الحكم ما يقارب الـ 37 سنة، استطاع فيها أن يقضي على مشكلات تؤرق شطري اليمن، وتعرقل مشاريع الوحدة، وتكرس المفهوم القبلي وسطوته أمام تقهقر قوة السلطة المدنية وإضعاف موقف الحكومة التي جاءت بعد انقلابات عسكرية مرّة، واقتتال شرس في مجتمع ''يخزّن'' السلاح، بقدر ما يخزّن ''القات'' أو القوت· منذ ذلك الإعلان وأنا أضع يدي على قلبي مثل الكثير من المواطنين اليمنيين والعرب، لأن اليمن يمر بمرحلة حرجة من مسيرة نضاله، وبمنعطف تاريخي في تصحيح مساره السياسي الاجتماعي والاقتصادي، فهو اليوم أحوج ما يكون إلى قيادة حكيمة، لها من طول المراس والتجارب على مر السنوات التي تزيد على الربع قرن في سدة السلطة، تراوحت بين القبضة العسكرية وقوات الصاعقة والزي العسكري المرصع، وبين الظهور بالشكل المدني الرسمي، في زي السياسيين المحنكين، هي قيادة عرفت، وتعرف الخطوط الرفيعة بين ما يريد اليمني القبلي ويرضيه، وبين ما يريد المثقف والسياسي اليمني المنخرط في التجارب الحزبية السابقة، والأدلجة الفكرية، والممارسة البرلمانية، كما وتدرك النقاط الأساسية التي يتمناها اليمني من الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع الحديث، والتي تبدو اليوم مهمشة، وخارج وقتها وفعلها وتأثيرها الاجتماعي· لا شك أن هناك من المشكلات المزمنة في اليمن والتي استعصت على الحكومات المتعاقبة، وحتى تغيير النظام السياسي لم يقدر أن يحلها أو على الأقل أن يتقي شرورها، مثل الفقر، وتدني مستوى التعليم، والزيادة السكانية دون تخطيط لحلول مستقبلية واعدة، والعادات الاجتماعية الخاطئة، كالثأر والقتل وتملك السلاح والقات وهدر الطاقات والوقت ومحاربة التحديث· لو تنحى القائد والرئيس اليمني، ولم يستمع إلى نداءات الجماهير الغفيرة، والمظاهرات المحتشدة، واللافتات التي تطالبه بالبقاء وبالاستمرار، لو فعلها، فلعله كان سيسنّ عادة سياسية عربية جديدة ووافدة، لا نعرف عقباها، ولا ندري بنتائجها على الشعوب العربية القادمة، فلعلها تستشري بين الدول العربية، ويظل يطالب بها الشعب العربي لأنه ذاق طعمها المختلف، وقد ندخل في دوامات سياسية، ومعتركات اجتماعية وأزمات اقتصادية، بل ربما انقلابات عسكرية، ليحكم القائد ثم يتنحى من أجل سلطة الشعب، وتداول السلطة بشكل سلمي، وإن سئل لماذا قمت بالانقلاب، يرد: من أجل أن يحكم الشعب، الشعب، وما أنا إلا قائد مأمور· نبارك خطوة الرئيس اليمني، ونبارك لليمن تجنب ويلات مستقبل غير متضح وغير مرئي، ونحن معه قلباً وروحاً نحو الأمام والرخاء، لأنه يستحق الكثير، كما تستحق تلك الأرض التي كانت تسمى قديماً اليمن السعيد·