كنا نشاهد مباراة غانا والتشيك، وقد تستغربون أن لا يكون أحد في الجمع المحتشد من كان يشجع التشيك، على الرغم أن معظمهم زارها وأحبها وكرر زيارته لها أكثر من مرة، ولا واحد عرف غانا أو زارها أو فكر أو يفكر أن يزورها أو ينصح صديقاً أن يزورها، لا أعرف مدى هذا التعاطف مع غانا، ولماذا كل هذا التشجيع المنقطع النظير؟ لا محبة ·· لأننا نعرف أنها ناقصة، ولا كرهاً في التشيك·· لأننا نعرف أنه غير صحيح، ولا هو الجوار الجغرافي·· لأننا نعرف أنهما متساويتان في البعد الجغرافي، بل غانا أبعد، ولا انتماء عرقي ·· لأننا نعرف أنهما يختلفان عنَّا، هل هو حقد تاريخي تجاه الغربي نحاول أن نسقطه على ملاعب الكرة؟ هل لأن غانا تمثل الفقير والمسحوق فتتعاطف معها اجتماعياً من خلال الكرة، ونحملها ثأراتنا التي لم تكن يوماً مع التشيك ·· كل تلك الأسئلة ما كانت لتتفجر، لو لم يرفع اللاعب رقم 15 جون بنستيل الغاني العلم الإسرائيلي فجأة، بعد أن أخرجه ملفوفاً من داخل جوربه، ساعتها تكهرب الموقف، وتبدل الوضع، وظهرت علامات الاستغراب والاندهاش على الحضور، وعمّ الصمت الجميع، وخرست الأصوات التي كانت تشجع غانا بحماسة فائقة، ورغم أن ما أقدم عليه اللاعب، يعد جرماً تعاقب عليه قوانين الفيفا، لأنه يدخل في دور الدعاية المرفوضة لدولة أخرى، أو يذكي دواعي عنصرية أو عرقية استفزازية للآخرين، أو يدخل ضمن الدعاية المدفوعة من قبل الشركات أو الدول أو العلامات التجارية، والتي يمكن أن يعاقب عليها اللاعب، أو يمكن أن يعتبرها اليمين الألماني المتطرف نوعاً من إثارة مشاعر العداء بينهم وبين اليهود، أو يريد اليهود أن يذكروا الألمان بجرائم هتلر والنازية· الموضوع إلى هنا·· قد لا يهمنا كثيراً، لكن ما يهمنا نحن الحضور كيف ظهرت علينا حالات من الاستهجان والاستنكار والشجب والتطاول لفظاً على اللاعب الغاني ومنتخب بلاده الذي كنا نشجعه قبل قليل، والتصريح عن عنصريتنا الكامنة في دواخلنا، متذكرين قصيدة المتنبي في هجاء كافور، مستعيدين أبياتها الشهيرة· والسؤال ·· لماذا نفترض في غانا ولاعبي منتخبها أن يكونوا معنا ومناصرين لقضيتنا؟ لمجرد أننا كنا نشجعهم ضد التشيك، لماذا نخلط الأمور بين الرياضة ولعبة السياسة؟ فنفس اللاعب الذي فاجأنا بتلويحه بالعلم الإسرائيلي، هو في الأساس لاعب في أندية إسرائيل هابويل تل أبيب · لماذا ظهرت علينا فجأة الوطنية والعروبة والإسلام؟ لأننا رأينا العلم الإسرائيلي في ملعب كولن الألماني، وهو الذي يرفرف فوق أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، لماذا نستنكر على الآخرين علانية رأيهم، والجهر بما يشعرون به، ويحبونه ويشجعونه؟ في الدقائق المتبقية من المباراة، ود الكثير منا، بل كلنا، لو تطول المباراة وتنهزم غانا، بل تطلع من التصفيات ·· كل ذلك لأننا رأينا شيئاً لا يعجبنا أو لا يناسبنا أو لا يتوافق مع آرائنا·· بعضنا حاول أن يخفف علينا وقع الصدمة، قائلاً: أنا متأكد أن هذا اللاعب مش من غانا، هذا واحد من الفلاشا المندسين في المنتخب الغاني·