تلك لافتة كتبها خطاط متكاسل، لتستقر في إحدى الشوارع في مناطق أبو ظبي الصناعية، ولا أدري أن كان الخطاط كتبها متعمداً، لتعبر عن حقيقة موجودة بسبب ظروف الطقس التي يمكن أن نتغلب عليها أو بسبب ظروف التشغيل التي يمكن أن نراعى فيها إنسانيتنا وأخلاق ديننا وقيم مجتمعنا أو أن الخطاط نسي النقطة فوق حرف الغين سهواً، فظهرت الجملة حاملة أكثر من دلالة، أن عمالاً يشتغلون ويشتعلون تحت حرقة شمس صيفنا·
لقد كثرت في الآونة الأخيرة، الشكاوى من العمال، وبدأ الإعلام الخارجي تهويلها واستغلالها ضد الدولة، وقوانين العمل فيها، وأتاحت بعض الشركات الخاصة الفرصة لاستغلال تقصيرها إعلامياً على مستوى العالم، وقضايا حقوق الإنسان، من عدم تسليم هؤلاء العمال أو الشغيّلة رواتبهم في المواعيد الشهرية، وتدني أجورهم، وعدم تأمين العلاج الطبي والتأمين الصحي لهم، وتشغيلهم ساعات أطول مما هي مقررة في عقد العمل، وتحت درجة حرارة تفوق النسبة التي وضعتها الأمم المتحدة للسماح للإنسان بالعمل، وحجز جوازات سفرهم، وما جعل الأمر يتفاقم، وزاد الطين بلة، غياب إعلامنا المحلي عنهم وعن قضاياهم، وما تقدمه الدولة لهم من منافع، من سن قوانين جديدة تراعي ظروفهم، ومراقبتهم، ومراقبة الشركات التي يعملون فيها، والغرامات المتشددة تجاه المخالفة منها·
لقد تركنا الساحة الإعلامية لمن يريد أن يستغلها ضدنا، والتركيز على صور الأشياء المخالفة فقط، إضراب، تجمع أمام مكاتب العمل، انتحار، ظروف إنسانية قاسية، حافلات مسيّجة وعمال متكدسين، عمال تحت الشمس، عمال يفترشون ظل الشجر نائمين في الهاجرة، ولأن مجتمع العمال كبير في الدولة، والأيدي العاملة نسبتها عالية قياساً للسكان، فبالتالي تكثر فيها المخالفات والجرائم والظروف الإنسانية الصعبة، من بين العمال من ينتحر، ومن يتعرض لاعتداء، ومن ينخرط في جريمة ضد المجتمع، ومنهم من يستغلون من قبل بني جنسهم، ومنهم من تهاجمهم الأمراض النفسية، نتيجة الظروف الإجتماعية الصعبة التي يعيشونها، لكن·· ولأن إعلامنا المحلي غائب، ضخمت هذه الأفعال الفردية ولصقت بالمجتمع، وكأنها خارجة منه وبسببه·
قد تكون هناك تجاوزات في الماضي، لكن الدولة ومؤسساتها ما تزال تعالج هذه التجاوزات، وتخلق الأجواء والظروف الإنسانية الممكنة لهؤلاء الذين يقضون شطراً من عمرهم هنا، للإنشاء والتشييد والبناء، لكن هذه الأمور تكاد تكون غائبة عن الرأي العام، وغير مطروقة في صحفنا، حتى أن صحفنا لا تقترب من هؤلاء البشر، ولا تعرف إن كانوا يضحكون مثلنا أو يحزنون حد الفجيعة، لا نراهم في صحفنا إلا من خلال صور الشرطة والمقبوض عليهم والمرحلين أو في طوابير المطالبة بحقوقهم، رغم أنهم نبض الشارع ونصادفهم في الطرقات أكثر من الصحف·
إن كثيراً من المشكلات قد حلت، وكثيراً من الأمور إيجابيات العمل بها، وإلى أن تلتفت إلى ذلك، سيبقى العمال الذين يشتغلون·· يشتعلون·